رجع بخفّي حنين
حكاية مثل من أمثالنا الشّعبيّة
في ليلةٍ شتائيَّةٍ باردةٍ، كان الجدُّ يجلسُ حولَ الموقِد، وبجانبهِ يتربّعُ حفيدهُ الصّغيرُ «وحيد».
قال«وحيد»: عمري الآن عشرُ سنوات يا جدِّي.
ولكنْ، هناك أمرٌ يُحيّرني.
سأله جدُّهُ، وما هو؟
أجاب «وحيد»: إنني أسمع الكثيرَ من الأمثلةِ العربيَّةِ القديمةِ. لكنّني لا أستطِيعُ فهمَها.
إبتسمَ الجدُّ، وقال: تبدو الأمثلةُ صعبةً، يا بنيّ، لأنّ لكلّ منها حكاية.
قال «وحيد» بلهفة: هل تقصُّ عليَّ حكاياتِ الأمثال؟
هزَّ الجدُّ رأسَهُ وقال: بالطَّبْعِ، يا بنّي، واليوم سأقصّ عليك حكايةَ المثلِ الشّهير: «رجع بخفَّي حُنَيْن».
عاش في قديم الزمان إسكافيٌّ اسمهُ «حُنَيْن». وذاتَ يومٍ، جاءَهُ أعرابيٌ يُريدُ شراءَ خُفَّينِ، (حذاء خفيف).
وأخذ الأعرابيُّ يُساومهُ في ثمنِ الخفِّ أكثَر من ساعةٍ. ثم خرجَ دونَ أن يشتريه.
أحسَّ «حُنين» بغضبٍ شديدٍ يسيطرُ عليه. وصمَّمَ على الانتقامِ من ذلك الأعرابي. فأخذ يسأل عنه، حتى عرفَ القبيلةَ التي ينتسبُ إليها، والباديَة التي قدمَ منها.
وبعدَ مراقبةٍ طويلةٍ، عرف «حنين» موعدَ عودةِ الأعرابي الى ديارهِ، فأخذ الخفّينِ اللذين كان الأعرابيُّ يُريدُ شراءَهُما، وسبقَهُ الى الطريقِ التي سيسلكُها. ثم وضعَ أحدَ الخفّين في مكانٍ بارزٍ من الطريق. ووضعَ الخفَّ الآخرَ في مكانٍ آخَر، يبعدُ قليلاً عن مكانِ الخفِّ الأول. واختبأَ وراءَ تلةٍ من الرملِ، وبدأ ينتظرُ قدوم الأعرابي.
ولم يطلْ بهِ المُقامُ. فقد جاءَ الأَعرابيُّ راكباً ناقتَهُ، المُحَمَّلةَ بالحاجياتِ التي اشتراها. وما لبثَ أن رأى الخفَّ الأول. فقال لنفسهِ: كأنَّ هذا الخفَّ فردةٌ من خفَّي حنين!
ثم تابع طريقَهُ. ولم يسرْ طويلاً، حتى أبصرَ الخفَّ الآخرَ. فتوقفَ قائلاً لنفسهِ: يا لحظّي السعيد! إنها الفردةُ الأخرى! سأحصلُ على الخفين مجاناً.
ثم ترجّلَ عن النّاقِة، وربَطها بجانبِ الطريقِ. وتناول الخفَّ، وهرولَ كي يحضرَ الخفَّ الآخرَ.
في هذا الوَقْتِ، خرجَ «حنين» من المخبأ. وفكَّ النَّاقةَ، وابتعدَ بها، مع كلِّ ما عليها من حمولة.
ولمَّا عاد الأعرابيُّ، ولم يجدِ الناقةَ، ضربَ بيدهِ على رأسهِ. وأخذَ يبحثُ عنها في كلِّ مكانٍ، دونَ فائدة.
وعندما وصلَ الأعرابيُّ الى ديارِهِ، سأله أهلهُ: بماذا رجعت؟ فأجاب: وهو يهزُّ رأسَهُ حزناً وأسفاً: رجعتُ بخفيَّ حنين!
قال «وحيد» لجدِّهُ: حكايةٌ طريفةٌ، يا جدّي.
ولكن، في أيِّ مناسبةٍ يُضرَبُ المثل؟
أجاب الجدُّ: يُضرَبُ هذا المثلُ، حين يعود المرءُ خائباً، دون أن يُحقّقَ ما يريد.
; "khofai honain 2.jpg")
