البَتّاني
مولدي ونشأتي
أنا أبو عبد الله محمَّد بنُ جابر بنُ سنان البتَّاني،
ولدتُ في بَتَّانَ،
وهي ناحيةٌٌ من نواحي حَرًََّانَ في نَهرِ البَلخِ،
أحدِ رَوافدِ نهرِ الفراتِ،
وكان ذلك حوالي سنة 240هـ.
كُنْتُ واحداً منْ أحْفادِ العالِمِ الكبير ثابِت بن قُرَّة، قَضَيْتُ مُعظمَ فتراتِ حياتي في مدينة الرَّقَّةِ على نهر الفراتِ، وإنْ كُنْتُ أنتقلُ أحياناً بين الرَّقَّةِ وأنطاكية في الشَّام.
في الرَّقَّةِ، التي أقمْتُ فيها، أنشَأتُ مَرْصِداً عُرِفَ باسمي، وَقَد بَدَأتُ العَمَلَ بِهِ سنة 264هـ وحتَّى سنة 306هـ، وقد رَكَّزْتُ أبْحاثي على سِرِّ عَظَمَةِ الله، والعلاقةِ القائمَةِ بين السَّماوات والأرض، وَكُنْتُ أَصدر في كلِّ دراساتي عن إيمانٍ عميقٍ لا يعرفُ الغرورَ، وذلك بِهَدَفِ تسخيرِ العلمِ وتوظيفهِ لمعرفةِ اللهِ العظيم والإيمان به.
مُنجزاتي العلمية
كُنْتُ كَما وَصَفَنِي المؤرِّخون، أحَدَ عباقِرَةِ العالمِ الذين وَضعوا نَظريَّاتٍ مُهِمَّةً، وألَّفوا بُحوثاً مُبْتكرةً في ميادينِ علومِ الفلكِ، والجبرِ، والمُثلثات، والجغرافيا.
قُمْتُ بِرَصْدِ الكواكبِ والأجرامِ السَّماويةِ، وتوصَّلْتُ إلى نَتائجَ ما تَزالُ موضِعَ دَهشةِ كثيرٍ من العلماء، وَمَحَطَّ إعْجابهم، وذلك على الرَّغْم من عَدَمِ وُجودِ آلاتٍ دقيقةٍ كَتِلكَ التي يستعملُها العلماءُ في هذه الأيام. وقد إبتدأتُ عمليةً الرَّصد، في الرَّقة، كما ذكرتُ قبل قليل، سنة 264هـ، وحتَّى سنة 306هـ. ويذكر التَّاريخ أَنَّني وَصَفْتُ الآلاتِ الفلكيَّةَ وصْفاً دَقيقاً، وَشَرَحْتُ طريقةَ استعمالها.
كما قُمْتُ بإصلاحِ أرْصادِ القُدَماء، إمَّا لأنَّ القُدَمَاءَ أنْفُسَهم قد أخطأوا في حسابِ هذِهِ الأرصاد، وإما لأنَّ واقعَ النجومِ قد اختلفتْ بالنسبةِ للأرضِ على إمتدادِ الزَّمانِ.
*وَاهْتمَمْتُ بكتاب بطليموس المعروف بالمِجَسطي، وإعتمدتُ في ذلك على نسخةٍ منقولةٍ من أصل سُرياني.
وقد إنتقلتُ، في تقسيمِ بروجِ السماء، من التَّرتيب الذي كان معروفاً عند العرب، إلى التَّرتيب الذي عرفَهُ الهنودُ.ويعتَرِفُ عُلَماءُ الفلكِ المُحدثون، بأنَّني كُنْتُ أوََّلَ من وَضَعَ جَداوِلَ فلكيَّةً على مستوى كبيرٍ من الأهميةِ والإتقان والدِّقةِ، وقدِ اسْتخدمْتُ، في تلك الجداولِ إستخداماً واضحاً، علمَ المُثلثَّاتِ، وهو العِلْمُ الذي كان آنذاك جديداً، فكنتُ بذلك أوَّلَ من سخَّرَ عِلمَ المُثلثات لخدمة الفلك، كما كنتُ أَسْبِقَ العلماءِ الذين اهتَّموا بالمثلَّثاتِ الكرويَّة إهتماماً فائقاً.
*ويُنسبُ إليَّ تصحيحُ قيمَةِ الإعتدالين الصَّيفي والشَّتوي، وتعيين قيمة ميل فلك البروج على فلك معدل النهار
(أي ميل محور الأرض في دورانِها حولَ نفسِها بالنِّسبة لدورانها حول الشمس).
وقد حَسبتُ هذه القيمةَ فوجدتُ أنها تساوي 23 درجة، و35دقيقة، وتدلّ البحوث العلميّة الحديثة على أنّني أصبتُ في رصدي إلى حدٍّ كبير، فقد كشفت هذه البحوث أنَّ زاويةَ الميل تساوي 23درجة؛ أي أنَّ الفرقَ أقلُّ من نصفِ درجة.
*كما يُنسب إليَّ حسابُ طولِ السَّنةِ الشَّمسيَّة، فقد قدرتها ب(365)يوماً، و(5) ساعات، و(46)دقيقة، و(32) ثانية، ولم أُخطئ في تقديري لها، بالقياس إلى ما توصَّل إليه العُلماء المعاصرون، بوساطة التلسكوب، إلا بمقدار دقيقتين و(22) ثانية فقط!!
وَفَضْلاً عن ذلكَ، فَقَدْ حسبْتُ مسبقاُ مَواعيدَ كُسوفِ الشَّمس وَخُسوفِ القمر، على نحوٍ كبيرٍ من الدِّقَّةِ. ويذكرُ التاريخُ أن العالِمَ الغربي دنثورن قد اعتمد على حساباتي للكسوف والخسوف في تحديد تسارع القمر في حركته خلال قرنٍ من الزمان.
*وَاهْتمَمْتُ، علاوةً على ما سبق، بعلمِ حسابِ المثلثات الحديثة، ووسعتُ نِطاقَها، وأوجدتُ قيم الزوايا بطُرقٍ جَبرية.
مكانتي العِلمية
لَقَدْ نِلْتُ، في المَيْدان العِلمي، مكانَةً مَرمُوقةً لَدى عُلماءِ الشَّرْق والغرْب، هؤلاء العلماء الذين أجمعوا على تَفرُّدي في كثيرٍ من النَّظريات الفلكيَّة والرياضيَّة، كما أجمعوا أيضاً، على أن إضافتي العلميَّةَ المهمَّةَ في هذين الميدانين كانت أساساً للتقدم العلمي فيهما.
وعندما نُقلَ إنتاجي العلمي إلى الغرب، ووقفَ علماءُ أوروبا على عُمقِ مساهماتي العلمية، إعترفوا لي بالفضل، وقاموا بترجمةِ عددٍ من مؤلفاتي إلى لغاتهم المختلفة. وقد تجلّى ذلك في كثير من أقوالِ أولئك العُلماء، من ذلكَ على سبيلِ المثالِ:
*ما قاله العالم سارطون: إنني من أعظمِ علماء عصري، وأَنبغِ علماءِ العربِ في الفلكِ والرياضيات، ثم قوله: لو أُخِذتِ الظروفُ بعينِ الإعتبار، لإعتبرتُ أعظمَ عالمٍ فلكيٍّ في العالمِ لما قدَّمتُه من خدمةٍ للبشريَّة.
نهايةُ رحلة العُمر
لَقَدْ عِشْتُ نَيِّفاً وَسَبْعين عَاماً، قَضَيتُها في البَحْثِ، وَطَلَبِ العِلْمِ، والتَّنَقُّلِ سَعْياً وراءَ المعرفة، وقضيتُها أيضاً، وأنا أُمسكُ بالقلمِ كاتباً ومؤلفاً في ميادين الفلك، وحساب المُثلَّثات، والجبر، والهندسة، والجغرافيا. نعم، لقد أغمضتُ عينيَّ في سنة 317هـ، بعدَ رحلةٍ علميةٍ مُمتعةٍ تركتُ، بعدها، للأجيالِ مجموعةً من الكتب يقف في مقدمتها:
*كتابي المشهور:" الزَّيج الصابي"، وهو عبارةٌ عن عملياتٍ حسابيّةٍ وقوانينَ عدديةٍ، وجداولَ فلكيةٍ، بها ما يخصُّ كل كوكبٍ وطريق حركته، تُعرفُ منها مواضعُ الكواكب في أفلاكها، ويمكنُ معرفةُ الشّهور والأيّام والتّواريخ الماضية، وبها أصولٌ مقرّرة لمعرفة" الأوج"، وهو أبعدُ نقطةٍ للكواكب عن الأرض، و"الحضيض" وهو أقربها من الأرض. وكذلك معرفة الميول والحركات وإستخراجها، إنها معلوماتٌ مركَّزةٌ توضعُ في جداولَ مرتبةٍ تيسيراً على المتعلّمين والرّاغبين.
وتجدرُ الإشارةُ إلى أن هذا الكتاب، الذي يضمُّ أَكثَرَ من ستينَ موضوعاً فلكيّاً، لقي عنايةً بالغة لدي علماء الغرب، فقد طبع سنة 1899م بمدينة روما بإيطاليا، بعد أن حقَّقَه المستشرق كارلو نلينو عن نسخته المحفوظة بمكتبة الأسكوريال بإسبانيا.
*وكتاب دائرة البروج والقبة الشّمسيّة.
*وكتاب معرفة مطالع البروج فيما بين أرباع الفلك.
*وكتاب تعديل الكواكب.
*وكتاب في علم الفلك.
*ورسالة في مقدار الإتصالات الفلكية.
*ورسالة في تحقيق أقدار الإتصالات.
*ورسالة في عمليات التنجيم الدقيقة.
*وشرح المقالات الأربع لبطليموس، وغيرها كثير.