غَسَّان كَنَفاني
قلمٌ حيٌّ
مولدي ونشأتي
أنا غَسَّان كَنَفَانِي،
وُلِدْتُ في مَدينَةِ عَكَّا سَنَةِ 1936م،
وَدَرَسْتُ في كُلِّيَّةِ الفْرير في يافا.
نَشَأتُ في عائلةٍ مُتَوسِّطَةٍ، كَانَ والدِي يَعْمَلُ مُحامِياً.
إضْطُرِرْتُ، وأنا في الحاديَةِ عشرةَ من عمري، إلى النُّزوحِ عن أرضِ وَطني، كَما فَعَلَ آلافُ الفلسطينيِّين سنة 1948م، وَأقَمْتُ مَعَ بَعْضِ أهْلِي مؤقتاً في جنوبي لبنانَ، ثُمَّ انْتَقَلَتْ عائلتي، بعدَ ذلك، إلى دِمَشْقَ، فَاشْتغلْتُ فيها عامِلاً في إحدى المَطَابعِ، وبعدَ حُصولي على شَهادَةِ الدِّراسَةِ الثّانويةِ، عَمِلْتُ في إحدى مدارسِ وكالةِ الغوثِ في أحدِ المخيَّماتِ الفلسطينيَّةِ، وَكانَ عُمري، آنذاكَ، لا يَتَجَاوَزُ السَّابِعَةَ عشرةَ. إنتسبْتُ إلى جامعةِ دمشْقَ، وَتَخَصَّصْتُ في اللُّغةِ العربيَّةِ وآدابِها.
وفي سنة 1956م، تَرَكْتُ عَمَلي في دمشْقَ، وَتَوَجَّهْتُ إلى الكُويت، حيثُ عَمِلْتُ، في بعضِ مدارسها الرَّسْميةِ، مُدرِّساً للرَّسم والرِّياضة، كما كنتُ أعملُ، في الوَقْتِ نفسِهِ، في الصَّحافَةِ. وقد مَنَحَنِي عَمَلي في الصَّحافةِ، الفرصَةَ للتَّعبيرِ عمَّا كانَ يجولُ في داخلي من ثَورَةٍ فكريَّةٍ، تُجَسِّدُ ما كانَ يعانيهِ وَطَني وأبناؤهُ من غُرْبَةٍ واضطهادٍ، فبدأت خطواتي الأولى في الكتابةِ الرِّوائيَّةِ التي كَشَفَتْ عَن عَالَمِي الدَّاخلي الذي كان ثريّاً بالتَّجارِبَ الحياتيَّةِ، وثريّاً أيضاً بالأدَوَاتِ الفنِّيَّةِ القادِرَةِ على التَّعبيرِ الفنيِّ.
وفي سنة 1960م، انتقلتُ من الكويت إلى بيروتَ، حيثُ عملتُ مُحَرِّراً أدبيّاً لجريدةِ "الحرية الأسبوعية"، ثمَّ أصْبَحْتُ في سنة 1963م، محرِّراً في جريدة "المحرِّر"، ثمَّ عملتُ في صحيفة "الأنوار"، و"الحوادث". وفي سنة 1969م ظَهَرَ العَدَدُ الأوَّلُ من صَحِيفةِ "الهدف" الأسبوعيَّةِ التي كنتُ رئيساً لتحريرِها حتى سَقَطْتُ شهيداً سنة 1972م.
التقيتُ بشابَّةٍ دانمركيَّةٍ جاءَتْ إلى الشَّرْقِ الأوسط، ضِمْنَ بِعْثَةٍ لِدراسَةِ الفنونِ الشَّعبيةِ، وَتَمََّ التَّفاهمُ بيننَا على الزَّواجِ، وتحقَّق لنا ذلك في بيروتَ. لقد كانت حياةُ تلكَ الفتاةِ الدانمركيَّةِ مَعِي تُمثلُ مَلْحَمَةً كاملةً من ملاحمِ البطولةِ. لقد قاسَتْ معي الكثيرَ من المخاطرِ دونَ خَوْفٍ أو تَرَدُّدٍ، وَتَحَمَّلْتُ، في سَبيلِ تَحقيقِ هَدَفِي النِّضاليِّ، الأهْوالَ، وأهْدَتْني، في أثناءِ رِحلةِ عُمري معها، ولدينِ هما:
فايز، وليلى.
نِضَالي
فَتَحْتُ عينيََّ، منذُ نعومَةِ أظفاري، عَلَى مَأساةِ وطنِي فلسطين، تلك المَأساةُ التي اضطرتني إلى النُّزوحِ عنْها، وأنا في سنِّ الطفولةِ المبكِّرةِ، ولكنَّني لم أسْتَسْلِمْ لظروفِ المأساةِ القاسيةِ، فقد تعلَّمْتُ، كباقي أطفالِ فلسطينَ، تَحتَ هديرِ الرَّصاصِ، وَدويِّ القنابل، لأنَّني كُنْتُ على يَقينٍ من أنَّ العِلْمَ والفكرَ هما وسيلةُ الفلسطينيِّ للحِفاظِ على هويَّتهِ.
ثقافتي الأدبيَّة
لمْ يكنْ تحصيلي العلميُّ كبيراً، ولكنَّ حَصيلتي الثَّقافيَّة كانتْ واسعةً جدّاً، كنتُ أقرأُ كلَّ ما تَقَعُ عليه عَيْنَيَّ، وكلََّ ما كانَ يقعُ بينَ يديَّ، وَكُنْتُ، في كلِّ قراءاتي ومطالَعاتي، مرتبطاً ارتباطاً وثيقاً بقضيةِ وطني، وقد انقسم إنتاجي الأدبي إلى ثلاثِ مراحلَ:
*المرحلة الأولى: هي مرحلةُ الركودِ والاستسلام:
تمتدُّ هذه المرحلةُ بين سنة 1956م، وسنة 1963م. وقد كتبتُ، أثناءَها، ثلاثَ مجموعاتٍ قصصيّةٍ هي: "موت سرير رقم 12"، و"أرض البرتقال الحزين"، و"عالم ليس لنا".
*المرحلة الثانية: هي مرحلةُ الإحتجاجِ على الصمت:
تَمْتَدُّ هذه المَرحَلَةُ بَيْنَ سَنَة 1963م، وَسَنَة 1967م. وَتَتَّسِمُ هذِهِ المَرحَلَةُ، بالإضافَةِ إلى الإحتجاجِ على الصَّمْتِ، بتصوير بِدايةِ التَّحَرُّكِ الفلسطينيِّ. وَقَد صوَّرْتُ ذلك في رواية" ما تبقى لكم"، وبعض القصص القصيرة الأخرى.
*المرحلة الثالثة: هي مرحلةُ الإنبعاث:
تمتدُّ هذه المرحلةُ عقبَ نكسَة 1967م. وفي هذه المرحَلَةِ الخَصْبَةِ، كَتَبْتُ الكثيرَ من الرِّواياتِ والقصصِ والدِّراساتِ، لَعَلََّ من أهمِّها:
"عائد إلى حيفا"،
و"أمّ سعد"،
و"الرِّجال والبنادق" وغيرها.
مكانتي الأدبيَّة
لقد كان لأدبي وكتاباتي الروائيَّةِ صَدىً كبيرٌ في مختلفِ البلدانِ العربيَّةِ، فقد طُبعتْ تلك الرِّواياتُ والدِّراساتُ الأدبيةُ غيرَ مرَّةٍ في سوريا، ولبنانَ، ومصرً، والأردُنِّ، وبلدان المغربِ العربيِّ، ونلتُ، على بعضها سنة 1966م، جائزةَ مُنظمة الصَّحفيينَ العالميَّة، كما حصلتُ أيضاً على جائزة اللوتس، وهي الجائزةُ التي يمنحُها إتحادُ كتابِ آسيا وأفريقيا لأفضلِ كاتب.
لَقَد وَصَفَنِي المُفكرُ العَربيُّ الكبيرُّ، والصَّحفيُّ المصريُّ المعروفُ أحمد بهاء الدين بقوله: كلُّ من عَرَفَ غَسَّانَ، يعرفُ أنَّه كانَ منْ أولئك الذين لهم سِحْرٌ لا يقاوَمُ، وذكاءٌ مُتَّقِدٌ، وظرفٌ لاذعٌ جميلٌ، وضِحكةٌ مشرقةٌ
بالحياةِ، كَمَا أنََّ غَسََّانَ كَنَفاني يُمثِّلُ نَموذَجاً خاصّاً للكاتِبِ السياسِيِِّ، والرِّوائيِّ الفاحِصِ والنَّاقدِ".
ومن أرادَ أنْ يتعرفَ إلى مكانتي الأدبيةِ الحقيقيةِ فليقرأ ما كتبه النقادُ والدارسونَ عن روايتي المشهورة
" رجال تحت الشمس".
لَقَد كَانَتْ هذه الرِّوايةُ، كَمَا جَاءَ في شََهَادَاتِ كَثيرينَ منهُم، تَصويراً حَيّاً وَصَادِقاً لقضيةِ اللُّجوءِ الفلسطينيِّ، وَمَا صَاحَبَ ذلكَ من مَرارَةٍ وَجُوعٍ.
نهاية رحلة العُمر
لقد كانت سَنَواتُ عُمْري أقلُّ بكثير من طُموحِي، وأدْنى بكثيرٍ منْ أمَلي. وَلَمْ تَمْتدّْ سَنَواتُ عُمري أكثرَ من ستَّةٍ وثلاثين عاماً، عِشْتُ بَعْضُها، وأنا طفلٌ، على أرْضِ وَطَنِي فلسطينَ، وأكمَلْتُ بَقيَّتَها في لبنانَ، وسوريا، والكويتِ، ومِصْرَ، لَقَدْ قَضَيْتُ هذه السنواتِ القليلةَ، وأنا أقرأُ وأكتبُ لفلسطينَ أرضاً، وشعباً، وقضيةً، وكانت حماستي، طيلةَ سنواتِ عمري، لا تَفتُرُ، ولا تعرِفُ التَّراجعَ أو الإحباطَ، على الرَّغمِ من المُنغِّصَاتِ التي كانت تعترِضُ طَريقي. وَظلَلْتُ على هذا الحَالِ، حتَّى أقبلَ ذلك الليلُ الأسْودُ الذي تَسَلَّلَ فيه القتلةُ إلى بيروتَ خِفيةً، وَزَرَعُوا لي الموتَ على أرضِ الحياةِ، فاسْتَشْهَدْتُ وأنا أمدُّ عينيَّ إلى أرضِ الوطنِ الذي كنتُ أمتلئُ أملاً في العودةِ إليه. وكان ذلك صَباَحَ 8/7/1972م، عندما نَزَلْتُ من بَيتي، وَهَمَمْتُ بِرُكُوبِ سَيَّارتي، وَمَعِي ابنةُ أُختي"لميس"، فإذا بِها تَنْفَجِرُ إلى شَظايا، بفعلِ خَمسةِ كيلو غرامات منَ الدِّينامِيتِ، وَقُنبلَةٍ منَ البْلاستيك، فَسَقَطْتُ وابنةُ أختي شَهيديْنِ، وإنطفاَ بذلك مصباحٌ من مصابيحِ الأدبِ في فلسطين.
ومن بين ما تركت لكم:
*الباب، وهي مسرحية من خمسةِ فصولٍ كُتبت سنة 1964م.
* أدب المقاومة في فلسطين المُحتلة، دراسةٌ كُتبت سنة 1966م.
* القُبعة والنَّبي، وهي مسرحيَّةٌ كُتبت سنة 1967م.
* عن الرِّجال والبنادق، وهي قصص ظهرت سنة 1968م.
* العاشق، وهي رواية لم تكتمل.
* الأعمى والأطرش، وهي رواية لم تكتمل.
* ثورة 36- 1939م في فلسطين، وهي دراسةٌ ظهرت سنة 1972م.
* ومن مؤلفاتي أيضاً:
* اللوتس الأحمر، وهي رواية كُتبت سنة 1961م.
* ثمَّ أشرقت آسيا، هو كتاب عن رحلة إلى الصين سنة 1966م.
* صيف ودخان، وهي رواية مترجمه سنة 1964م.