100 عامٍ على ميلادِ سنديانة فلسطين شاعرتنا فدوى طوقان
100 عامٍ على ميلادِ سنديانة فلسطين شاعرتنا فدوى طوقان
فدوى طوقان
مَولِدي ونَشأتي
أنا فدوى عبد الفتّاح طوقان.
وُلِدتُ في مدينة نابلسَ، ولكنَّ تاريخَ ميلادي الدّقيقَ مجهولٌ، وربّما كانَ في إحدى السَّنواتِ الواقعةِ بين 1917م-1919م.
نشَأتُ في أُسرةٍ ذاتِ عَراقةٍ وَثَراءٍ. ولكنَّها كانت عائلةً تقليديّةً مُحافظةً. كان ترتيبي بين إخوتي الخمسةِ، وأخواتي الخمسِ أيضاً السّابعةَ. دخلتُ المدرسة العائشيَّةَ في نابلس أيضاً، وَتَخَرَّجتُ فيها سنة 1928م. بدأتُ تعلُّمَ اللُّغةِ الانجليزيةِ، في مدرسةٍ مسائيّةٍ، في جمعيّةِ الشُّبَّانِ المسيحيّة بِالقدس الشّريف، فمكَّنني ذلك منَ الاطّلاعِ على جانبٍ من الآدابِ والأشعارِ الإنجليزيّة، غيرَ أنَّني عمَّقتُ صلتي بهذه اللُّغة في المعهدِ الثّقافيِّ البريطاني بنابلس، وفي أثناء إقامتي مدَّةَ سنتين كاملتين في احدى الأكاديمياتِ المُهتمّة بالأدبِ الإنجليزي في مدينة أكسفورد. لم تكن حياتي، في بدايتها، سهلةً، وإنَّما كانت خاضِعةً للقيودِ والأعرافِ الإجتماعيّةِ القاسيةِ، التي تمنحُ الحُريَّةَ للشُبَّانِ، وتُحاصِرُ بكلِّ طاقاتها وإمكاناتها الجنسَ الآخر، وأعني به جنس حوَّاء. ولكنَّني، بِمساعدةِ بعضِ الأهلِ، وخاصّةً أخي المرحوم الشّاعر إبراهيم طوقان، تمكَّنت من تخفيف حِدَّةِ تلكَ القيودِ، ولا سيَّما في مجالِ التعليم والثقافةِ.
عِشتُ في مدينتي نابلس، حتّى آخر يوم في حياتي، غَيرَ مرتبطةٍ بوظائِفَ، أو أيةِ أعمالٍ من شأنِها أن تُكبِّلَ حرَّيتي الشَّخصيَّة. وسنحت ليَ الفُرصُ بالقيامِ بعددٍ كبيرٍ من الزّياراتِ لكثيرٍ من الدّولِ العربيَّةِ، والأجنبيَّةِ. مثل روسيا، والصّين، والسّويد، وايطاليا، والمانيا، وهولندا، ورومانيا، فأتاحَ لي ذلك إمكانيّةَ الإتِّصالِ الفكريِّ مع مختلفِ التّيّاراتِ الثقافيَّةِ لركبِ الحضارةِ الإنسانيَّةِ المُعاصرةِ.
ثقافتي الأدبيَّة
كان أخي إبراهيمُ مصدَرَ الإلهام في كلِّ ميادينِ الحياةِ، فهو الذي خفَّف عنِّي وطأةَ القيود العائليَّةِ الصَّارمةِ، وهو الذي فتح أمامي الطَّريقَ إلى النُّورِ والعلم، وهو الذي رَوََّضَ موهبتي الأدبيَّة الغضَّة، منذ الصِّغر، على قول الشِّعر، وهو، قبل هذا وبعده، صاحب المكتبة الأدبيَّة التي زَوََّدَتني بكلِّ ما أحتاج إليه من كتبٍ لغويّةٍ وأدبيّةٍ.
لقد بدأتُ رحلتي مع الفكرِ والثّقافةِ، بإرساء قواعدِ اللّغةِ العربيّةِ وصرفها، فقرأتُ كُتبَ "النّحوِ الواضحِ" لعلي الجارم ومصطفى أمين، ثمَّ وسَّعتُ، بعد ذلك، نافذةَ المطالعةِ والقراءةِ المتعمِّقةِ لعيونِ كتبِ التُّراث، فقرأتُ "البيان والتَّبيين" للجاحظ، و"الكامل" للمبرد، و"الأمالي" لأبي على القالي، و" الأغاني" للأصفهاني، وغيرها من كتبِ التُّراث الغنيّةِ بالفكرِ والأدبِ، ثمَّ انتقلتُ إلى قراءةِ الأدبِ المعاصرِ، فقرأتُ للعقَّاد، وطه حسين، وأحمد أمين، ومصطفى صادق الرّافعي، ومي زيادة، وأحمد حسن الزَّيات، ومحمد إسعاف النَّشاشيبي، فضلاً عن أشعارِ أحمد شوقي، وحافظ إبراهيم، وخليل مطران، وغيرهم.
كما أن القرآن الكريمَ كانَ الكتابَ العظيمَ الذي أثَّرَ فيَّ ببيانهِ، وسحرِ تعبيره. كما قراتُ لكثيرٍ من أدباء الغرب وتأثَّرتُ بهم، ولا سيَّما في مجال الرِّوايةِ التي وجدتُ فيها حصيلةَ المعرفةِ الإنسانيَّةِ من فكرٍ، وشعرٍ، وفلسفةٍ، وعلم اجتماعٍ، وتحليلٍ نفسيٍّ. فقرأتُ لـ: تولستوي، وديستوفسكي، وهكسلي، وغراهام غرين، وفولكنز، وهمنجواي، وغيرهم. لقد أسهمتْ أسفاري المتعدِّدةُ، إلى كثيرٍ من الأقطار العربيَّةِ والأجنبيَّةِ، إلى منحي فرصةَ الإطّلاعِ على التّيّاراتِ الفكريّةِ والثّقافيّةِ التي تجتاحُ عالمنا المعاصرَ، الأمرُ الذي عملَ على تعميقِ موهبتي، وصقلِ شخصيَّتي.
كما أنَّني لم أقتصر، في تكويني الثَّقافيِّ، على القراءة في كتبِ الأدبِ والشِّعرِ، وإنما أضفتُ إلى ذلك هوايةً فنّيّةً أُخرى، تمثَّلتْ في حبِّي للموسيقى بعامَّةٍ، والعزفِ على آلة العودِ بخاصَّةٍ.
نعم لم تكن قراءاتي منهجيَّةً، ولكنَّها غطَّتِ التراثَ العربيَّ، والأدبَ العربيَّ المعاصرَ، والآدابَ العالميةَ، بما فيها الكتبُ الدينية الثلاثةُ، القرآنُ الكريمُ، والتوراةُ، والإنجيلُ. لقد اختلطت في بوتقةِ ثقافتي القراءاتُ التّاريخيّةُ، والاجتماعيّةُ، والفلسفيّةُ، والنّفسيةُ، غير أنَّ قراءاتي الأدبيَّةَ كانتْ تَتَّسِمُ بطابعِ الشُّمولِ والدَّيمومةِ، لأنَّها كانت الرَّافدَ الذي يشبعُ موهبتي الأدبيَّةُ، ويغذي نهمي المتعطِّشَ دائماً للأدبِ والشِّعرِ.
إبداعي الشِّعري
لَمَسَ شقيقي المرحومُ إبراهيم طوقان، منذُ صغري، قوَّةََ ميلي الفطريِّ إلى الشِّعرِ، فأخذ على نفسهِ عهداً بالأخذ بيدي، والعنايةِ بتوجيهي وبدأ يخصِّصُ لي فتراتٍ من وقتهِ لإعطائي دروساً في الأدبِ والشِّعرِ، أمَّا أنا فقد انصرفتُ إلى التَّحصيلِ والتَّثقيف الذَّاتيِّ بمثابرةٍ، وإلحاحٍ، تحفزني رغبةٌ قويَّةٌ، وشوقٌ ظامئٌ إلى بلوغِ الهدفِ.ولقد بلغتُ الهَدَفَ المنشودَ، وقلتُ الشِّعرَ الذي كانَ متنفّسي في هذه الحياةِ، فاحتفى به النَّاسُ، واحتفلتْ به الجرائدُ والمجلاتُ هنا في فلسطينَ، وهناك في بلاد العروبةِ. ولا شكَّ في أنَّ موهبتي الشِّعريةَ، ذاتَ الطاقةِ الواسعةِ، والخصوبةِ العميقةِ، كانت نتاجَ عواملَ متعددةٍ أهَمُّها:
*إحساسي بالوَحدة، وما نزل بي من آلام ومصائب كثيرةٍ، كان موتُ أخي إبراهيم أكثرها قصماً للظَّهر، وإحراقاً للمشاعر.
*تأثّري بما قاساه أبناءُ شعبي في فلسطين من ظلمٍ أيَّامَ الانتدابِ الأنجليزيِّ، وما ألمَّ بهم من تشردٍ وضياعٍ بعد نكبةِ عام 1948م، ونكسةِ عام 1967م.
*أسفاري لعديد من أقطارِ العالمِ، وبلدانهِ المختلفةِ الأطيافِ الفكريَّةِ والثّقافيّةِ، وحضوري للكثيرِ من النَّدواتِ الأدبيَّةِ، والمهرجاناتِ الشّعريَّةِ العربيّةِ. لقد تنوَّعت موضاعاتي الشِّعريَّةُ، وتراوحتْ في شعري النزعاتُ الذاتيَّةُ، والتأمليَّةُ، والإنسانيَّةُ، والوطنيَّةُ، وكانت أشعاري، في مجموعها تعبيراً عن همساتِ روحي، وخلجاتِ قلبي، ومناجاتي للطَّبيعةِ، والارتماءِ في أحضانِها، وبثِّها الألمَ والأسى الذي يجتاحُ نفسي، وكانت النّزعةُ الرّومانسيّةُ هي النَّزعةَ السّائدةَ في شعري.
لقد كنتُ، في أشعاري، أبحثُ عن المجهولِ، وأفرُّ من الواقعِ، وألوذُ إلى أحضانِ التَّأملِ النَّفسيِّ العميقِ. وكما تنوَّعتْ موضوعاتي الشِّعريةُ، فقد تنوَّعت، لديَّ أيضاً أشكالُ الشِّعرِ وقوالبه.
فقد نَظَمْتُ الشِّعرَ المعتمد على وحدةِ الوزنِ والقافيةِ، والشِّعرَ الذي نسجته على غرارِ الموشّحاتِ الأندلسيَّةِ، والشِّعرَ الذي سلكتُ فيه طريقة الشِّعر الحرِّ المعتمدِ على وحدة التَّفعيلةِ. وكنت استعملُ، في قصائدي، البناءَ القصصيَّ، والحوارَ الدَّاخليَّ، واستوحي التُّراثَ والأسطورةَ، فأصنعُ من كلِّ ذلك معماراً شعرياًّ فنياًّ متميزاً.
لقد قدمتُ، خلال رحلةِ العمرِ، أعمالاً أدبيةً، ودواوينَ شعريةً كثيرةً، جسَّدْتُ فيها حرارة أحاسيسي ومشاعري الذاتيَّةِ والوطنيَّةِ، وقد لقيتْ أشعاري استحسانَ الأدباءِ والنُّقادِ العربِ والأجانبِ، فمنحوني حبّهم، وتشجيعهم، كما حصلتُ على بعض الجوائزِ والأوسمةِ الرَّفيعةِ، منها
جائِزةُ الزيتونةِ الفضّيّةِ الثّقافيّةِ لحوضِ البحرِ الأبيضِ المتوسطِ التي تمنحها اللجنةُ الثقافية الإيطالية في "باليرمو" سنة 1978م،
وجائزةُ عرار السّنويّة للشّعرِ التي تمنحها رابطةُ الكتابِ الأردنيّين في عمَّان سنة 1983م، وجائزةُ سلطان العويس من الإمارات العربية المتحدة سنة 1989م،
ووسام القدس من منظمة التحرير الفلسطينية سنة 1990م،
وجائزةُ المهرجان العالمي للكتاباتِ المعاصرةِ من باليرمو- إيطاليا سنة 1992م،
وجائزةُ الإبداع الشعري من الكويت سنة 1994م،
وشهادةُ الإستحقاقِ الثّقافي من الرّئيس التونسي - سنة 1996م، وجائزةُ الأديبِ اليونانيِّ قسطنطين كفافيس سنة 1996م،
وغيرها من الجوائز التقديريّة. ولعلّه من المفيدِ أنْ أذكر جانباً من إنتاجي في أثناء رحلتي مع الأدبِ والشِّعر:
* وحدي مع الأيام، القاهرة، سنة 1952م
* وجدتها،بيروت سنة 1957م
* أعطنا حباً، بيروت، سنة 1960م
* أمام الباب المغلق، بيروت سنة 1967م
* الليل والفرسان، بيروت، سنة 1969م
* على قمة الدنيا وحيداً، بيروت سنة 1973م
* كابوس الليل والنهار، بيروت سنة 1974م
*ديوان فدوى طوقات، بيروت سنة 1978م
* قصائد سياسية، عكا،1980م
* تمّوز والشّيء الآخر، عمّان، سنة 1989م
* رحلة جبليّة، رحلة صعبة، سيرة ذاتيّة، عمّان، سنة 1985م
* الرّحلة الأصعب، سيرة ذاتيّة، عمان، سنة 1993موقد ترُجمت مختاراتٌ من أشعاري إلى بعضِ اللُّغات الأجنبيَّة كالإنجليزيَّة، والفارسيَّة والعبريَّة.
وساحاولُ،
في نهاية هذا الحديثِ، أن أسجلَ بعضَ أشعاري التي قلتُها في مناسباتٍ مختلفةٍ:
*قلتُ من قصيدةٍ لي بعنوان:
"صلاة إلى العام الجديد"
في يدينا لكَ أشواقٌ جديدَهْ
في مآقينا تسابيحُ، وألحانٌ فريدَهْ
سوفَ نُـزْجيها قرابينَ غِناءٍ
في يديْكْ يا مُطِلاًّ أملاً عذبَ الورودِ
يا غنيًّا بالأماني والوعودِ
ما الذي تحملُهُ من أجلنا؟
ماذا لديْكْ؟
أَعْطِنا حبًّا، فبالحبِّ كنوزُ الخير فينا
تتفجَّرْ وأغانينا ستخضرُّ على الحبّ وتُزْهِرْ
وستنهلُّ عَطاءً وثَراءً وخُصوبَهْ
أَعْطِنا حبًّا
فنبني العالَمَ المنهارَ فينا من جديدْ
ونُعيد فرحةَ الخِصْبِ لدُنيانا الجديبَهْ
*وقلتُ من قصيدةٍ لي بعنوان
"شُهداء الإنتفاضة"
رسموا الطَّريق إلى الحياة
رصفوه بالمرجان,بالمهج الفتيّة بالعقيقْ
رفعوا القلوب على الأكفّ حجارةً, جمرًا, حريقْ
رجموا بها وحش الطَّريقْ : هتفوا:هذا أوان الشدّ فاشتدِّي!
ودوّى صوتهم في مسمع الدّنيا
وأوغل في مدى الدّنيا صداه هذا أوان الشدّ!
واشتدتْ... وماتوا واقفين... متوهِّجين
متألِّقين كما النُّجوم، مقبِّلين فم الحياة
انظرْ إليهم في البعيد
يتصاعدون إلى الأعالي، في عيون الكون هم يتصاعدونْ
وعلى جبال من رعاف دمائهم هم يصعدون ويصعدون ويصعدونْ
لن يمسك الموت الخؤون قلوبهم فالبعث والفجر الجديدْ
رؤيا ترافقهم على درب الفداءْ
انظر إليهم في انتفاضتهم صقورًا يربطون
الأرض والوطن المقدس بالسَّماءْ!
*وقلتُ قصيدة لي بعنوان
" كفاني أظلّ بحضنها"
كفاني أموت بحضنها
وأدفن فيها وتحت ثراها أذوب وأفنى
وأبعثُ عشباً على أرضها
وأبعثُ زهره تعيث بها كفُّ طفلٍ نمته بلادي
كفاني أظلُّ بحضن بلادي تراباً وعشباً وزهره.
تعليقات الزوار
1 .
فدوى طوقان
maha
كم احبها ولطالما شعرت بآلامها في قصائدها وفي سيرتها الذاتية تخترق قلبي وفكري.. هي من الكتاب الذين اقرأ لهم بكل حواسي واحبس انفاسي من اول صفحة لآخر صفحة من كتبها ..و برأيي لقد ظلمت كثيرا في وطننا العربي من ناحية التعريف بها بأدبها لانها كاتبة لم تتجاوز الحدود الحمراء وهي تستحق بان تكون في صدارة الكاتبات العربيات اللواتي يملئن الساحة اليوم بأدبهم الذي يخاطب الاجساد لا العقول .
black84tulip@hotmail.com - 2013-02-18 16:11:27 - abu d