لا نبيّ في وطنِهِ
إلا المهندس
أنطونيو جاودي
في برشلونه
بقلم: محمد بدارنه
كاميرانا مجنّحة، لا تلتقط هذه العام من الصّور إلا الرّائع منها، فطارت صوب الغرب، منطلقة من حيفا، محلّقةً فوق البحر الأبيض المتوسّط، ملوّحة بالسّلام للجُزرُ ومن عليها. بدءاً، بقبرص ثم كريت التي تذكّرنا بأجدادنا.( هل تعلمون ان أصل الفلسطينيّين من جزيرة كريت في البحر المتوسّط.)
وصلت كاميرانا فوق مضيق جبل طارق، الفاصل بين المغرب وإسبانيا او قُلْ إلى البوابة التي دخلها طارق بن زياد عندما فتح العرب بلاد الأندلس.( متى؟ وكم عاماً ظلَّ العرب يحكمون هذه البلاد!).
مضيق جبل طارق الذي يسمّيه العالم أجمع بالاسم
Gibraltar
جنّحت كاميرانا صوب الشمال قاصدة برشلونة. وبرشلونة ليست برتقالة ولا تفّاحة ولا فلّةً، وليست غزالة ولا طاؤوساً. ليست صَدَفَةً ولا جوهرة ولا أغنية، فمن تكون هذه المدينة؟
قد تجمع في محيطها من البرتقال والتّفاح والفلِّ عطره وألوانه وأشكاله، وقد تجمع في معابدها وعمرانها من الطاؤوس والغزالة كبرياءها وجمالها، ومن الجواهر قيمتها ومن التّاريخ نفحاته، ومن المهندس جاوْدي لمساته العمرانيّة.
ما هي حكاية المهندس العبقري انطونيو جاودي!
احتفلت برشلونة بعيد ميلاده المئة وخمس وخمسين. وتبرز الاحتفالات فنّ العمارة والهندسة واستعماله للمواد الملوّنة المميّزة التي انعكست في جمال رائع يلفّ كلّ ما هندسه هذا المهندس.
شقّ هذا المهندس طريقه إلى المجد والشُّهرة دون أن يرحل إلى باريس كما اعتاد الفنّانون والمهندسون من قبله.
للمهندس جاودي بصمات واضحة على زيّ العمارة في برشلونة، واهمّ مَعْلم من إبداعاته كنيسة نسيجراد فاميليا التي اشتغل مدة 43 سنة حتّى أنهى تصميماته الفنّيّة والهندسيّة لانجازها.
ما أحلى الترجّل في برشلونة صوب متحف بيكاسو. ترًّجَّلْنا، رجالاً ونساء, واطفالاً، وغمرنا الشُّعور بالسَّعادة، دخلنا شارع Muntakadu داخل البلدة القديمة. وإذ بالبنايات الجميلة والقصور الرّائعة تحيط بنا.
وما زال المركز كما كان دائماً منذ مئات السّنين يعجُّ بالنّاس والزائرين.
في مركز البلدة القديمة ثلاث متاحف تنتظرنا.
الأول يحمل الاسم
Museum dArt precolombi
والثّاني يعرض المنسوجات والملبوسات التي تعود إلى القرن الرّابع عشر. في هذاالمتحف دكان انيق يبيع المناديل الفاخرة والشّالات الملوّنة.
ما زلنا نتجوّل في شارع Muntakadu، في وسط البلدة القديمة في برشلونة، وعند البناية رقم15-23 توقّفنا.
تعود هذه البناية إلى القرن الثّالث عشر، واليوم هي مقرٌّ لمتحف الفنّان بيكاسو، وفي المتحف قسطٌ وافرٌ ممّا حاكته ريشة بيكاسو، اعظم رسّامي القرن العشرين.
الدّخول إلى المتحف شيء والخروج منه أمر آخر. شعرنا بعد زيارة المتحف، أنّ زادنا من اللّوحات الفنّيّة الرّائعة قد تكفينا لأشهر وسنوات قادمة فقد تمتّعت العيون بأحلى ماأبدعه فنّان القرن العشرين بيكاسو، ومضينا في طريقنا في قلب برشلونة وإذ بالرّسّام بيكاسو يجلس على كرسي عالٍ ويطلّ على المارّين، فحسبناه ينادينا أو ينتظر قدومَنا!!
لكنَّ الرَّجل على الكرسيّ لم يكن إلا تمثالاً من صنع الفنَّانة الإسبانيّة جوادلوفة. ألقينا على بيكاسو التّحيّة فردَّ علينا بأحسن منها.
مشينا ومشينا حتّى وصلنا ساحة La Rambla والسّاحة ليست إلا شارعاً عريضاً مرصوفاً بالكراميكا والنّاس تموج فيه أفواجاً، لا يؤذن للسّيارات بالمرور في هذا الشّارع. اما روائح الزّهور والورود فقد دخلت انوفنا دونما استئذان، وكانّها تخبرنا: عمّا قليل سنصل سوق الزّهور!!
ثم شَقَقنا طريقنا من شارع La Rambla إلى سوق La Boqueri، أجمل أسواق برشلونة. ويحكم السّوق ثلاثة حكام:
النّظام والنّظافة والأناقة.
وبدأت بسطات الفواكه واللّحوم والأسماك والأجبان والزّيتون تعترض طريقنا وترسل امواجاً من روائحها الزّكية، فتذكّرنا على التوّ أن معدتنا خاوية، والجوع كافر ونِعمَ الغذاء في برشلونة.
وحملتنا أقدامنا صوب ساحات وساحات في المدينة، وإذ بشمس الغروب الموشّحة بالبنفسجي القريب من البرتقالي تلوَّح لنا بضفائرها على أمل اللّقاء بها غداً صباحاً.