زيارة إلى أجمل العيون
في منطقة حيفا
إلى القرية المهجّرة
عين حوض
إلى المكان السّاحر بجماله
مع قلم
محمد بدارنه
وكاميرا الحياة للأطفال
إنْطَلَقَتْ عَرَبةُ الْخَيْلِ مِنْ حَيْفا تَشُقُّ الطَّرِيقَ السَّاحِليَّ، قُرْبَ شاطِىءِ الْبَحْرِ، بِاتّجاهِ الْجَنوبِ.
لَمْ يَمْضِ نِصْفُ سَاعَةٍ بَعْدُ، عَلَى بُعْدِ قُرابَةِ 17 كم مِنْ حَيْفا، حَتَّى وَصَلْنا، مَحْمودٌ، إلْياسُ، لَيْلَى، خُلُودُ، وأنَا إلى مَرْبطِ الْخَيْلِ في القريَةِ الْجَميلةِ عَيْن حَوْضٍ.
رَبَطْنَا حِصَانَنَا الأصيلَ في مَرْبَطِ الْخَيْل، قَدَّمْنا لَهُ الْمَاءَ لِيَشْرَبَ والْعُشْبَ لِيَأكُلَ، وَاتَّجَهْنَا نَتَجَوَّلُ إلى مَعْصَرَةِ الزَّيْتونِ الْعَتِيقَةِ.
قَالَتْ لَيْلَى بِصَوْتٍ حَنُونٍ: هَذِهِ هِيَ مَعَاصِرُ أجْدادِنا الْعَتيقَة، وهذا الْحَجَرُ يَدُورُ حَوْلَ مِحْوَرِهِ، يَدُوسُ حَبَّ الزَّيْتونِ فَيَعْصِرَهُ عَصْرًا، ثمَّ يَصُبُّ الزَّيْتُ في الْبِرْكَةِ مُبارَكًا مُصَفّىً لَذيذًا!
إلياسُ: كيْفَ يَدُورُ هذان الْحَجَرانِ الكَبيرانِ يا تُرَى؟!
أكَانَ أجْدادُنَا يَسْتَعملونَ الكَهْرباءَ لِتَحْريكهما ؟
أجابَتْ لَيْلى: لا يا صَديقي،
أُنْظُرْ إلى عَمُودِ الْخَشَبِ هذا، إنَّهُ « النِيّرُ» ،
هكذا سَمَّاهُ أجْدادُنا، يُوضَعُ في طَرَفِهِ الأول على رَقَبَةِ الخَيْلِ،
وفي طَرَفِهِ الثَّاني يَرْتَبِطُ مَعَ الْحَجَرَيْنِ اللَّذيْنِ يَدورانِ معًا ويَدوسَانِ على حَبِّ الزَّيْتُونِ.
وأضافَ محمودٌ: نَعَمْ يا إلياسُ. فقدْ غَرَسَ أهْلُ القريةِ أشتالا كثيرةً مِنَ الزَّيْتُونِ، وأصبحتْ كُرومُ الزَّيْتون تُحيطُ عَيْنَ حَوْضٍ كأنها طَوْقٌ أخْضَرُ يَلُفُّها حَوْلَ عُنُقِها.
وَجَبَلُ الكرمِل خَلْفَها كأنه «مَسْنَدٌ » يَسْندُ ظهرِها،
وذاك الوادي إنّه وادي أُمِّ الغنمِ يا خُلودُ، يَمُرُّ جنوبَ القريةِ الجميلةِ.
وقالتْ خُلودُ : لَقدْ زُرْتُ قُرىً عربيَّةً كثيرةً، لكنَّ عَيْنَيَّ لم تَتَمَتَّعْ بِجَمالٍ مِثْلَ هذا الْجَمَالِ.
يَبْدو أنَّ هذه القريةَ قِطْعَةٌ مِنْ الْجَنَّةِ، البيوتُ العتيقَةُ مَبْنيَّةٌ بهنْدَسَةٍ جميلةٍ،
لِكُلِّ بيْتٍ عَريشَةٌ مِنَ الْعِنَبِ، وتحت العريشةِ « قُصَّةٌ » يجلس عليها أهْلُها،
والوَرْدُ الشَّهْرِيُّ والصَّبَّارُ يُحيطُ بها،
وفي كُلِّ حاكورةٍ شَجَرة مِنَ الرُّمَّانِ وأخرى مِنَ التّين وأُخرى مِنَ الزَّيْتونِ وأُخرى مِنَ الْخَرُّوبِ.
يَا لَلْجَمَالِ، يا لَرَوْعَةِ الطَّبيعةِ الْخَلَّابَةِ البحرُ أمامها ساحِرٌ كأنَّهُ يَرْكَعُ ويُصَلّي لها.
تعالوا مَعي نَتَمَشَّى في طُرُقاتِ القرية، نُمَتِّعُ الرُّوحَ والعقْلَ والجَسَدَ هَيَّا...
وَمَشى الأصدقاءُ يُغَنُّونَ معًا:
سَوَا رْبِينَا،
وسَوَا مْشينًا،
وسَوَا قضِينا لَيالِينا،
ونحن سوا سوا ربينا،
إنت وأنا درنا عكلِّ الأبواب،
جينا وانْطرْنا بموسم العنّاب.