حكاية إجْبينهْ

كانت في قديم الزَّمان إمرأة متزوِّجة لكنَّها لم تحبل. وفي يوم من الأيَّام، كان بائع جبنة بيضاء مارّاً قرب بيتها، وينادي على بيع الجبنة. وخرجت المرأة لتشتري جُبنةً، وأمسكت بقرص جبنة وقالت: " يا ربِّي، وأنت ربِّي، ارزقني ببنت وجهها أبيض مثل قرص هذه الجبنة".  ونطق الله على لسانها، فحبلت وولدت بنتاً وجهها ابيض مثل الجبنة البيضاء فسمتها" إجبينه".

وكبرت" إجبينه" وصارت فتاةً جميلةً، فبدأت بنات جيلها يغرن منها وَيَحْسُدنَها، وصرن يتحايلن للتخلُّص منها. لذلك جاء عددٌ منهنَّ إليها، وطلبن منها أن تذهب معهنَّ إلى شجرة الدَّوم ليُلقِّطن شيئاً من حبوبها.

فقالت لهنَّ إنَّها توافق إذا سمحت لها أُمُّها. وذهبت الفتيات إلى أُمِّها، وقلن لها:" يا إمِّ اجبينه، بحياة اجبينه تخلِّي اجبينه تروح معنا الدُّوم" فقالت الأم لهنَّ:" هذا الأمر لا يخُصُّني، إنَّما هو من اختصاص أبيها". وراح البنات إلى والد" اجبينه"، وقلن له: يابو إجبينه، بحياة إجبينه، تخلِّي اجبينه تروح معنا الدُّوم". فأجابهنَّ بقوله: هذا الأمر لا يخصُّني، إنَّما هو من اختصاص عمّتها". فذهبن إلى عمتها وقلن لها :" يا عمَّة إجبينه، بحياة إجبينة، تخلّي إجبينه، تروح معنا الدُّوم". فأجابتهنَّ قائلة:" هذا الأمر لا يخُصَّني، إنَّما هو من اختصاص خالتها"، فَرُحنَ إلى خالتها وقلن" يا خالة إجبينه، بحياة إجبينه، تخلي إجبينه، تروح معنا للدُّوم". فوافقت الخالة، وسمحت" لإجبينه" بالذهاب معهنَّ. وعلى أثر ذلك، تجمَّعت البناتُ، وذهبن إلى سدرة الدَّوم. وعندما وصلنها، تساءلن عمَّن ستتسلٌَّق الشَّجرة لتهُزَّ فروعها، وتسقط حبوب الدَّوم. ولأن" إجبينه" كانت أصغرهنَّ، وأطيبهن، تطوّعت وتسلَّقت الشَّجرة، وبالمقابل، وعدتها البنات أن يملأن لها كيسها بالدّوم، لكنَّهنَّ خدعنها فملأن أكياسهن بالدَّوم، أما كيسها وضعن فيه الحلزون والحصى وما شابه ذلك، وعندما رأين الشَّمس تميل إلى الغروب، تركنها على الشَّجرة، وعدن إلى منازلهنّ. وغابت الشمس، وأظلمت الدُّنيا ولم تجرؤ" اجبينه" على النزول عن الشَّجرة. وعندما تأخرت عن العودة إلى البيت، راحت أمُّها تسأل رفيقاتها عنها، فقلن لها إنَّ جبينه لم ترجع معهنَّ. وبعد حين أقبلَ على الدُّومة فارسٌ راكب على فرسه، وعندما اقترب منها، أجفلت الفرس، فالتفت الفارس، لِيتبيَّن سبب إجفال الفرس، فرأى اجبينه على الشَّجرة، فطلب منها أن تنزل ، لكنَّها كانت خائفةً، فرفضت النزول. عند ذلك، حلف لها الفارس باللَّه، أنه سيحافظ عليها، وعلى سلامتها، فوافقت ونزلت عن الشَّجرة، وأردفها خلفه على فرسه، وعاد بها إلى بيته.

وأثناء اللَّيل، دهنت " إجبينه جسمها ووجهها بالسَّواد، حتّى لا يتعرَّف إليها أحدٌ وعندما رأوها في الصباح، ظنوا أنها خادمة، فكلَّفوها أن ترعى لهم أغنامهم. وصارت إجبينه راعية، وصارت كل يوم تخرج بالقطيع إلى الجبال، وتتغنى قائلة:

" يا طيور طايره،

 يا وحوش سايره،

 قولوا لإمي،

 قولوا لبويْ،

 إجبينه ترعى الغنم،

 ترعى السُّخول،

 وتْقَيِّلْ تحت الدّاليهْ".

وبعد أن تنهي الغناء، تبكي، وتبكي معها الطيور والوحوش، ويتوقَّف القطيع عن الرَّعي ويبكي معها.

ولاحظ ابن الأمير، أنَّ الحيوانات لا ترعى كما يجب، وأنّها لذلك صارت تضعف يوماً بعد يوم، فحلف بالله أن يراقب الرَّاعية ليكشف حقيقة أمرها. ولذلك، سار وراءها خفية حتى وصلت المرعى. وهناك جلست وبدأت تغني قائلةً:

يا طيور طايره،

 يا وحوش سايره،

 قولوا لأمي، قولوا لبوي،

إجبينه ترعى الغنم،

ترعى السُّخول،

وتقيِّل تحت الدالية".

وبعد الغناء صارت تبكي، وصارت الطيور تبكي معها، وتوقف القطيع عن الرَّعي وبكى معها، ووقف ابن الأمير نفسُهُ وبكى. وفي المساء، طلبها ابن الأمير وقال لها:" اعترفي، من أنت؟ وما هي قصَّتك؟" فأجابته قائلة : "أنا " إجبينه، وقد جرى لي كذا وكذا".

بعد ذلك، غسلت" الشّحبار" الأسود عن وجهها وجسمها، وإذا بها فتاة جميلة كالقمر. فتزوَّجها ابن الأمير، وأقاموا الأفراح والليالي المِلاح. وأحضرت هي أُمَّها وأباها ليقيما معها.

" وجيت أُخلِّيتهُم ،وما عدت أرِيتُهُمْ".

 ولمن يحب الإستماع للحكاية بصوت رئيس التحرير محمد بدارنه فليضغط على التّالي,