هديل: أبي، لقد حدَّثتنا يوماً عن عائلة صديقة لنا، امتلكت مصنعاً للصّابون! تُرى هل ما زال المصنع قائماً حتى يومنا هذا؟ ولديَّ حبُّ الاستطلاع لمعرفة خيرات يافا وصادراتها!
الوالد: نعم، ما زالت بناية معامل الصابون قائمةً حتى يومنا هذا، في مدخل البلدة القديمة في يافا. وكانت تخصُّ السَّيِّد حنا داود دمياني وقد عرفها أهل يافا بالاسم "مصبنة" والتي صدّرت الصابون في شتى أرجاء الوطن.
هديل: صادرات؟!! عرِّفنا بصادرات يافا ووارداتها يا جدّي!
الجدّ: صدَّرت يافا البرتقال، والليمون، والصابون لمصر وتركيا، والخمور إلى فرنسا ومصر، والسمسم لإيطاليا، وخشب الزيتون والتحف المُصنَّعة في القدس وبيت لحم إلى أوروبا وسائر الأقطار العربية.
أما واردات يافا، فكانت البضائع القطنية والصوفية من بريطانيا، وايطاليا، وألمانيا. في حين استوردت الطرابيش الحمراء من النمسا، واستوردت يافا مشتقات النفط عبر خليج الكازاخانة، وسمِّي هذا الخليج بهذا الاسم، لأنه كان يستعمل آنذاك لتفريغ حمولة المراكب البحرية من الكاز.
عَمَّرَت الحركة التجارية في يافا، وازدهرت المدينة بفضل أهلها الفالحين. وعلى إثر هذه الحركة التجارية النَّشطة،افتتح في يافا من البنوك سبعة، وما زلت اذكرها جميعاً، وهي البنك العربي، بنك باركليز، والبنك العثماني، وبنكو دي روما، وبنك انجلو فلسطين، وبنك الأمة، والبنك الألماني.
الجدّ: سأدعوكم يا أحفادي، برفقة جدّتكم، لزيارة صديق يافاويٍّ عزيز، ظلَّ يقبع في يافا، ولم يرحل مع المشتَّتين في العام 1948! إنه الحاج أبو عبد الله القبطان.
انطلق الجدُّ والجدّة وحفيداهما قاصدين أبا عبد الله، مرُّوا بشوارع المدينة، وتعرفوا إلى بعض معالمها؛ جامع المحموديّة عند النافورة، ومقهى البيرزيانا قرب
عمارة المظفَّر، ومطعم أبي العبد في شارع الحلوة. انتهى بهم المشوار عند بيت الحاجِّ أبي عبد الله. كان اللقاء دافئاً جداً، بالأحضان الساخنة والقبلات الحارّة.
لقاء بحري دافئ مع أبي عبد الله وجسمه يرتعش من الشّوق: أهلاً برفيق الصِّبا، اهلاً بك يا أبا حافظ في بيتك! في بلدك! أهلاً بك وبأمّ حافظ والأحفاد في وطنكم!
وتصافح الجدُّ والجدَّة والأحفاد مع أبي عبد الله وأمُّ عبد الله.
الجدّة: آه على أيام زمان! ما أحلاها يا أبا عبد الله! لكنَّ الدَّمعة تسبقني دائماً فاعذروني!!
أبو عبد الله: شدَّ حيلك يا رفيقي! الليلة سنسهر سهرة يافاوية حتى الصباح، وسيكون عشاؤنا أطباقاً من الاسماك، سلطان ابراهيم، المرمير، واللّقص!
فارس: يا عمّو، يا أبا عبد الله !هل تعرف كلَّ أصناف السَّمك في يافا؟
أبو عبد الله: بالطبع، فأنا قبطان من القباطين، كنت أرمي الشّراك فأصيد من الأسماك: الفرّيدن، والفرفور، والمسْقار، والعمبار، واللّبط، والأجاج، والمليطة، والسرغوس، والبوريَّ، وسمكاً كنا نسمّيه الكومونست، أو البلشفيك!
هديل: لقد ذكرت كلمة الشّراك في حديثك؟ ماذا تعني بهذه الكلمة يا عمو؟
أبو عبد الله: إنه خيطٌ طويلٌ مربوطٌ، فيه كثير من الصنانير لصيد السَّمك.
" كنا ندخل باللنش أو المركب، نعدّي جُوّه البحر، طبعاً كنت أعلم بالبرّ وين أنا موجود في البحر، نرمي السكنديل عشان نقيس الميْ وعمقها، كم قامه، في أول الشّراك وآخره حطّينا بُنديرة، يعني علامة، وهاي كانت طفّاف مع عصا وفوق العصا علم. ويا إخوان قال الكريم خذ! الله أنعم علينا بالسمك أشكال ألوان.
وصرنا نطعِّم الشّراك من جديد، أي نطعِّمْ الصنانير بسمك صغير، ونرمي الشّراك بعمق 25 متر. مرّات كنا ننزل عالبحر باللَّنش والكريم يقول خذ! الله ينعم ويكرم علينا بالسمك أشكال ألوان، فيصير اللَّنش نازل بالميه، يعني محمِّل كثير. راحت أيام زمان، يوم ما كان البحر يضرب في البيوت، اليوم اليهود طمّوه".
فارس: ما أحلى كلماتك يا قبطان القباطين! عيَّشتني البحر ساعة من الزمن! أكرم علينا بحديث البحر كمان!
أبو عبد الله: شطْ العجمي يا فارس كان ملان عرب، كلُّه عرب، شط المنشية مكنش فيه عرب!
كنا نفرّغ حمولة بابور البحر الكبير للمينا، نستعمل الجرومه، والجرم هو اللَّنش الّلي فيه كنا إنَّزل البضاعة من البابور.
كانت رحلة الصيد تبدأ من بركة قمر، جنب المينا، وتنتهي في الكازاخانة، عند قهوة إحميد.
الجدّ:ذاكر يا أبا عبد الله سهراتنا في كروم العنب؟ كنّا لابسين هالطرابيش الحمر، وصديقنا أحمد، ابن الباشورات، كان لابس بدله رسمي وكرافتّة!
أبو عبد الله: راحت كروم العنب، عملوا محلها محطة الباصات المركزية. ويا سيدي، جامعة تل أبيب مبنية عأنقاض مقبرة بلد الشيخ مؤنس،
وأوتيل الهلتون عالمقبرة الاسلامية واسمها مقبرة عبد النبي.
آه! والله إني ذاكر هالحكي، ورجعنا يومها المساء وحضرنا المباراة بين البكسير أديب الدسوقي وبكسير انكليزي، وظلينا نشجع بأديب ونقلّه جف هِم!give him
تنّه انغلب الانكليزي وظل مبطوح عالأرض! وساعتها ولَّعت مع مدير البوليس الانكليزي.
الجدّ: آه! والله يا بو عبد الله إنه ذاكرتك قوية. بس ثاني يوم، اذا ذاكر حضرنا طراد الخيل في حارة الصّة، وكان معنا النسوان وشمّوا الهوا في المنتزه.
قلّي يا أبو عبد الله قدّيش صار عمرك عزيادة؟
أبو عبد الله: اليوم صار عمري 56 سنة و10 شهور و22يوم، واليوم التاريخ هو26/2/1997!
الجدّ: سمِّعنا يا ابو عبد الله شي دور بغدادي من أيام زمان.
أبو عبد الله: في زفّة العريس كان أهل يافا يغنّوا الدّور البغدادي ويقولوا:
أيّام سعدي مضتْ وتبدّلت بنحاس
مامن صحيبا نفعني وقال عتّي حاس
إلا عزولا الضَّغف قلّي هل تريد مراد
قلتلوا قوطرعمري ما آخذ من الأناذل مراد
أنا إن عانّي ربي ومولاي لعلّمك
كيف تبدل الخاتم ذهب بنحاس
وكنّا نغني في العروس ونقول:
طلّي من فوق يا ليلى طلّي من الشباك شوفينا
وفي الآخر نقول للعريس:
مبروك يا عريس هاي ريتو سبع بركاتي
هديل: وانت يا جدّو، مش ذاكر لك شي موّال؟
الجدّ: نعم، بقول الموال:
أنا والنّار توقد في قلبي عالخي
يا حسرتي راح خييّ وما بقيلي خيْ
واسترسل الجدُّ في حديثه قائلاً: آه يا هديل! وآه يا فارس! والله
من اليمين تبدو مدرسة مار يوسف(الداخلية) بانسيونا وفي وسط الصورة"الفرير"
صورة لكنيسة مارجوارجيوس"الخضر"
صورة لدير- شيت المسكوبية.
صورة لجامع العجمي وعلى يساره تبدو مدرسة حسن عرفة.
أ- دير وكنيسة القديس نيقولا التابعة للكنيسة الأرمن الأرثوذكس في يافا.
ب- العمال يجهزون البرتقال لتعبئته بالصناديق وفي الصورة العمال بزيهم الوطني، القمباز، السروال، غطاء الرأس الطربوش والحطّة.
ج- بناية الجمرك والفنار والبلدة القديمة في يافا، سبيل أبو نبوت- يافا سنة 1875م.
صورة للبلدة القديمة في يافا في سنوات الأربعينات.
فيروز في صورة تذكارية مع مجموعة من أبناء يافا يوم زاروها في القاهرة.
طفلة من يافا واسمها هديل ابراهيم عمرها 5 سنوات
معامل الصابون في يافا
أ- برج الساعة في الميدان الرئيسي بيافا وعنه تتفرعّ عدة شوارع.
ب- مستشفى الحكومة بيافا في حي العجمي والمطل على شارع البحر.
ج- حي العجمي- منظر عام.
د- كنيسة القديس أنطون بيافا لطائفة اللاتين وتبدو فيها أيضاً مدرسة التيراسانطة.
أ- بيت المرحوم وهبة تماري مقابل الكنيسة المارونية في حي العجمي.
ب- صورة بيت عازر في حي العجمي مقابل دير الموارنة بيافا.
ج- مصنع وبيت عائلة نصار، الرواد الأوائل في صناعة الطحينة والحلاوة في يافا. مصنعهم في مدخل يافا- شارع القدس.
شارع الملك فيصل الأول، كان من أرقى أحياء مدينة يافا
ساحة السرايا وفيها مركز الشرطة" القشلة" وبجوارها مسجد يافا الكبير وساحة الحناطير
منظر عام لميناء يافا بعد أن تحوّل إلى ميناء لليخوت
مجموعة من كشافة يافا
مجموعة من نساء يافا، أثناء قيامهن بنزهة بالقوارب
موسم قطف البرتقال في يافا
أربع سيدات من يافا يلبسن الملابس المطرزة ويحملن جِرار في سنوات الأربعين
شاطئ البحر في حي الجبليّة بيافا
ذاكر كثير ذاكر الحاج جمعة اللّي كان دايماً قدّام المزّيكة بزفِّة العريس، نطلع بعد المغرب عالفرح والرقص بالسيف قايم قاعد، والخيل كانت ترقصها الخيالة.
من الغناني اللي طربنا عليها أيام زمان كانت على دلعونة، عالرّوزنة، يا بابور، حوّل يا غنّام، يا أم العباية.
وما دمنا في باب الطَّرب، فلا بدَّ أن نذكر الفنان الصغير المطرب الواعد، محمود جواد حمادة، الملقب بشادي يافا، فقد غنىّ من الأغنيات:" بحلم أمشي في يافا"،
و"روح يا نسيم" وأغنية"يا رايح على روبين".
فارس: حين ذكرتم اسم البطل محمود الدّسوقي فاض الريق عندي لاستطلع المزيد، عن الدّسوقي وعن غيره! هل أنجبت يافا أبطالاً ونجوماً في الرياضة؟
الجدّة: طبعاً طبعاً، يافا أنجبت العديد من الأبطال! سأحدِّثكم عن أشهر الملاكمين في فلسطين، وسائر الأقطار العربية، إنه ابن يافا البار،الملاكم، البطل المشهور اديب الدّسوقي، الذي لُقِّبَ" بطل الشرق الأوسط"، فقد فاز في سنوات الأربعين في مباراةٍ ساخنةٍ على بطل تركيا، الملاكم محمود أضَنَه، وقد شاهدت هذه المباراة أنا وجدُّكم أبو حافظ. كما تغلب بطلنا على بطل مصر الملاكم عبدو كبريت، الذي كان يلقب ب" صخرة مصر السوداء". وكانت مباريات الملاكمة والمصارعة
تجري عادةً في صالة سينما الحمراء، وملعب كلية الفرير بيافا.
لقد تتبَّعتُ أخبار اليافاوي أديب الدّسوقي في الشَّتات، فقد عمل مدرباً في وزارة الدفاع الكويتية، إذ قام بتدريب أفراد الجيش الكويتي على فنون الملاكمة،
كما درّبَ ملاكمين في الجيش السوريِّ والعراقيِّ، وما زال بطلنا يمارس نشاطه الرياضيَّ بالسير على الأقدام، فهو الآن في الثمانين من عمره.
هديل: قرأت في مجلة الفلوكة، الصادرة في عمّان، مقالاً طريفاً عن علمٍ، رياضيّ يافاويٍّ اسمه عبد الرحمان الهباب!
صورة العلم اليافاويُّ،
الرياضيّ عبد الرحمان الهبّاب.
الوالد: نعم يا هديل، إنه علمٌ رياضيٌ مشهور. ولد في يافا عام 1909م، وقد إنتسب إلى كلية الحقوق بعد أن عمِلَ مُدرِّساً في يافا وبئر السبع والرملة،
وعمل مديراً لمكتب اللجنة القومية في يافا عام 1948م، ومفتشاً للتربية الرياضية في وزارة التربية الأردنية. وكان المرحوم الهبّاب قد أسهم في تأسيس النادي الرّياضي الاسلامي بيافا عام 1926م، والحرس الوطنيِّ بيافا عام 1936، والاتحاد الرياضي الفلسطيني في عام 1944، وقد ترأس البعثة الرياضية الأردنية للدورة العربية في لبنان عام 1957م، وفي المغرب عام 1961م.
وما دمنا في سيرة مجلة الفلوكة، التي تصدر في عمَّان، عن جمعية يافا للتنمية الاجتماعية، وتترأسها الأديبة اليافوية روضة الفرخ الهدهد، فقد قرأنا من على صفحاتها كلمات مؤثرة طيبة للفنانة اليافاوية تمام الأكحل. لا بدّ أنكم تمتَّعتم بالعديد من لوحاتها الجميلة عبر صفحات مجلة الحياة للأطفال، أو من خلال كتاب"الفن التشكيلي في فلسطين" من تأليف الفنان الفلسطيني، ابن اللد، اسماعيل شموط.
وانتبه الجميع إلى النَّار تغفو في موقدها، في بيت العمِّ، أبي عبد الله، فقد غزا النعاس عيون الجمر وصار الجمر رماداً. عندها إستأذن الجدُّ والجدَّة وحفيداهما من العمّ أبي عبد الله. شاكرين له حسن الاستقبال، ولطف الضيافة، وحلو الكلام، وعطر الذكريات.
تعانق الجميع في قبلات الوداع، لكن على أمل اللقاء دائماً، ولن تحلو اللقاءات إلا في يافا! فهي عروس الوطن وما أحلاها!