كانت (سارةُ) زَوجةُ سيّدِنا إبراهيمَ عَقيمًا لا تَلِدُ، وَكانتْ زوجةً وَفِيَّةً مُخْلِصَةً لِزَوجِها، عارفَةً بِحُقوقِ رَبِّها. وحين أدْرَكَ سيّدنا إبراهيمَ الكِبَرُ، ولمْ يُرزَقْ مِنْهَا ذُرِّيَّةً، آلَمَهَا ألا يَنْعَمَ بالوَلَدِ بسبب عُقْمِها، فَأهْدَتْ إليه جاريةً تَملِكُها تُسَمَّى (هاجَر) وَطَلَبَتْ إليهِ أن يَتَزَوَّجَهَا فَلَعَلَّهَا تُسْعِدُهُ بما عَجِزَتْ هيَ عَنْهُ..
وحقّق الله أملها,إذْ وضعت (هاجرُ) وَلَدَهَا (إسماعيلَ) عَليهِ السّلامُ، فَفَرِحَ به أبوهُ (إبراهيمُ) فَرَحًا عَظيمًا، وَشَارَكَتْهُ زَوْجَتَهُ (سارةُ) ذلك.
لكِنْ سُرْعَانَ ما دَبَّتِ الغيرةُ إلى قَلْبِهَا، فَألحَّتْ على سَيِّدِنا إبراهيمَ أنْ يُبْعِدَ (إسماعيلَ) وأُمَّه (هاجَرَ) إلى مكانٍ بعيدٍ.
فَأوْحَى اللّه إلى إبراهيمَ أنْ يَسْتَجيبَ لِزَوجَتِهِ.
وَأخَذ إبراهيمُ هَاجَرَ وَوَلَدَها، وَسارَ بهما بتوجيه من الله حَتَّى وَقَفَ بها عِنْدَ مَكانِ الْبَيْتِ العَتيقِ بِمَكَّةَ، فَأنْزَلَهُمَا، وترَكَهُمَا في تِلْكَ البُقْعَة الجَرْدَاءِ وليس مَعَهُما من الزّادِ ما يَكْفي يَوْمًا أوْ بعضَ يَوْمٍ.
ماءُزَمْزَمَ
وَتَعَلَّقَتْ (هاجَرُ) بِزوجِها تَرْجُوهُ ألا يَتْرُكَها في هَذا الْمكانِ الموحِشِ، وأنْ يَرْحَمَ ضعفَها وضعْفَ طفلِها الصَّغيرِ. لكِنَّ إبراهيمَ أخْبَرَهَا - وَهُوَ يُغَالِبُ دُموعَهُ بأنَّ مَا يَفْعَلُهُ هُوَ أمرُ الله، وأنَّ اللهَ لا يُضيعُ عبادَهُ الصّابرين، ثُم دَعا اللهَ لَهُما، وانْصَرَفَ راجِعًا إلى حَيْثُ تُقيمُ زَوجَتُهُ (سارة) بأرضِ فِلَسْطينَ. ولم يمض وقت طويل حَتَّى نَضَبَ الزّادُ الذي تَحْمِلُهُ (هاجرُ) وَسَاعَدتْ شِدَّةُ حَرارَةِ الشَّمْسِ على نَفَاذِ الماءِ، وَراحتِ الأمُّ الصابِرَةُ تَنْظُرُ في أسىً إلى عَيْنَيْ صَغيرِها المُهَدَّدِ بالجوعِ وَالمَوْتِ، بَعْدَ أنْ جَفَّ ثَدْيُها، فَلَمْ يَعُدْ قادِرًا أنْ يَمْنَحَ الصَّغيرَ الغِذاءَ.