حيفا العروس بكاميرا روضة غنايم
حيفا صوراً جمالُ معتق - حيفا العروس بكاميرا روضة غنايم،
تحت هذا العنوان نظم نادي حيفا الثقافي التابع للمجلس الملّي الأرثوذكسي الوطني. أمسية خاصة بمشاركة المصورة وصاحبة الفكرة الموثقة والباحثة في مدينة حيفا روضة غنايم. وفكرة الأمسية مبتكرة وجديدة وخرجت عن تكرار المألوف في مجال الصور الفوتوغرافية التي توثق المدينة وتروي حكايتها. في مبادرتها الجديدة توثق غنايم حيفا.
من خلال شرائح أعدتها وأخرجتها روضة غنايم استهلتها بشريحة " حيفا تنهض من نومها وتصاحبها أغنية للفنانة شادية "قولوا لعين الشمس متحماشي" كما رافق صوت أم كلثوم شرائح أخرى بموسيقى و أغنية تعيد الحنين فينا "القلب يعشق كل جميل" وحملت بقية الشرائح اسما مختلفا : " أماكن مُعتمة في المدينة"، " حيفا في عتمة البياض"، " آن لحيفا أن تفرح"،" شرفات المدينة لها قصص خاصة "، " حيفا بين الماضي والحاضر " ، " خُرجوا الى الميناء راحلين الى إشعار آخر.. بداية الجريمة "،" مَتحفة الناس "، "حياة الريف في المدينة "، " أزقة المدينة "، و" حيفا تعد نفسها للنوم ".
وشارك في الأمسية التي تولى عرافتها المربي الشاعر رشدي الماضي ثلاثة شعراء كتبوا قصائد مستوحاة من صور روضة وهم
أسامة حلبي، حنان جريس خوري أنور سابا الذي كتب قصيدة
قرأتها خلود فوراني عاشقة اللغة العربية
وضيف الامسية الشاعر علي مواسي.
وقد جاء في الكلمة التي القتها روضة بعد العرض:
" لم ادرك ان مخزوني الذاتي هو مخزون ذوات اخريات لم ادرك أن لحظة صنعي لمشهد ما هي بمثابة مشاهد تكحل عيونا تعاني الاغتراب القسري عن الوطن عيوناً عطشى لمداعبة بصرية تروي ظمأها منذ ستين عام واكثر"
جاء في كلمة روضة غنايم:
إنّ حيفا "صُوَرًا" جمالٌ مُعتّقٌ، صوَري تحكي أحاسيسي الّتي تتضوّعُ داخلي، خفقاتٌ تُعبّرُ عن الروحانيّاتِ الساكنةِ في أعماقي، وتُسجّلُ على صفحةِ الذاكرةِ لحظاتٍ عابرةً مِنَ الزمن،
أحيانًا تُسجّلُ لحظاتٍ مُمتدّةً مِنَ الماضي، وفي الأخرى مِنَ الحاضر، فصُوَري عبارةً عنِ امتدادٍ لحياتي منذ ثلاثِ سنواتٍ ونيْفٍ، أُصَوّرُ حيفا يوميًّا، وكأنّني اعتدتُ على تقبيلِها كُلَّ صباحٍ.
كيف لا، وهي عروسُ البحرِ وعروسُ فلسطين! كيف لا، وهي جميلةُ الجميلات، فلو قُدّرَ لي أن أكونَ "رياض" وليس "روضة"، لطلبتُ يدَها مِن سنَدِها وحارسِها الأمين "جبلِ الكرمل".
قصّةُ عشقٍ بدأتْ مع هذه المدينة حيفا، روحي سكنتْها منذ زمنٍ، وجسدي سكنَ مدينةً أخرى حتّى اتّحدا هنا. ولن أكونَ مُغاليةً إذا بُحتُ، أنّ عشقيَ لها بدأ منذ سقطتُ نطفةً في رحمِ أمي، ففي هذه المدينةِ سِحرٌ يجذبُ إليهِ كلَّ روحٍ تُحِبُّ الجَمال.
لماذا حيفا؟ لأنّها تجمَعُ الطبيعةَ الخلّابةَ مِن جبلٍ وبحرٍ. لأنّها تجمعُ التاريخُ مِن حجرٍ وبشرٍ وشجر. لأنّها تَجمعُ الذاكرةَ؛ ذاكرةَ شعبٍ ما زالَ يَنامُ ويصحو على جراحٍ منثورةٍ في الحَيّزِ والمَشهدِ العامّ. لأنّها دارٌ للثقافةِ العربيّةِ، رغمَ مُحاولاتِ الاحتلالِ والغزو الفكريّ. باختصارٍ، لأنّها أمُّ الغرباءِ مِثلي أنا.
لم أُدركْ أنّ مَخزوني الذاتيَّ هو مَخزونُ ذواتٍ أخرياتٍ. لم أُدركْ أنّ لحظةَ صُنعي لمشهدٍ ما، هي بمثابةِ مَشاهدَ تُكحّلُ عيونًا تُعاني الاغترابَ القسريَّ عن الوطن، عيونًا عطشى لمُداعبةٍ بَصريّةٍ، تروي ظمَؤُها منذ ستينَ عام وأكثر. يتعاملُ معي الآخرونَ على أنّني فتاةٌ، تسعى دائبةً لصيانةِ التراثِ والحفاظ عليه.
عزيزاتي وأحبّائي:
حاولتُ في هذه الشرائحِ أن أنقُلَ لحظاتٍ تاريخيّةً انتقائيّةً، ومَشاهدَ تُوثّقُ جُرحَ النّكبةِ، التي يجبُ أن نَتبعَها برَديفِها التوأم؛ "التطهير العرقيّ"، التصفية والاغتيالات، ومنها اغتيالُ مدينةِ حيفا، وتجريدِها مِن مَعالمِها الثقافيّة.
عندما أزورُ شارعَ العراق الذي صارَ اسمُهُ بقدرةِ قادرٍ عم 1948 ("كيبوتس جاليوت")، أو شارع اللد، وصار شارع خالد بن الوليد ("يحائيل اليوم") في البلدة التحتا، حينها تنتصِبُ أمامي أطلالُ آثارِ النكبةِ واضحةً، في الأحياء، والبيوت المُنْسَدّةِ بالطين، بالفقرِ وبالإهمال.
أهلُ العروسِ حيفا الأصل والأصليّةِ والأصيلة بمَعالمِها الحقيقيّةِ، وليست بالهَجينةِ، بالحَدائقِ المُعلّقةِ للبهائيّينَ، أو بالحيّ الألمانيّ، وشوارع وحارات الكرمل الحديثة، التي تُحاولُ تَبييضَ وجهِ المدينةِ. كيفَ يكونُ ذلك، وهيَ الجرائمُ السوداءُ تنخُرُ جسدَ كلِّ حيٍّ وحَيّ؟
سأتركُ لهم "حيفاهُمُ"، وأُبقي معي "حيفايَ".