حكايةُ قصّة،
واسم القصّة:
حكاية حبّة قمح
أن ْتولدَ قصَّة تعنِي أنّ القصّة مَوْلودةٌ، لَها اسْمٌ وَعنوانٌ وأهْلٌ وخلّان وتاريخُ ميلاد، وَللقصّة أديبٌ حاكَ كلماتِها ورسّامةٌ فنّانة حاكت لوحاتها، وَحَبَكاها معًا في قوالبَ من أدبٍ وجمالٍ وخيال! لِيهدياها لكلّ طفلٍ يجيدُ قراءةَ العربيّة!
لم يلتقِ أديب الأطفال، محمد بدارنه، الرّسّامة القديرة صبا ساهر بشناق ، فالأوّل يسكنُ في حيفا والثّانية تسكنُ في كندا! لكنّ المراسلاتِ بينَهما تمّت بواسطة الحمام الزّاجل،يفصّلانَ الحريرَ والقماشَ ويقيسانه منْ أجلِ المولودة! فأطلّتِ المولودة الجديدة تتمايلُ فرحًا وتتباهى بثيابِها الحريريّة الملوّنة الرّائعة!
الرَّسّامة صبا ساهر بشناق
في قلبِ صبا تسكنُ بلادُناوبلادُ الشّآم وعمّان والبوسنه وكندا, فأصولُها يا أصدقائي مجبولة بدماء شتّى ، ونعمَ ألوان قوس قزح في جيناتِها، أمّا كندا فهي مكان إقامتِها وبيتها الخامس إن جاز القولُ! صبا تعشقُ الرّسمَ والفنونَ والخطوطَ والألوان وتحيكُ منها للاطفالِ وللكبار أروع اللوحات وأجمل البطاقات ، ولدت صبا في عمّان في 5 أيار 1983
شاركت رسّامتنا صبا في العديد من المعارض خاصّة في تورنتو الكنديّة،منهامعرض مشترك بعنوان التّعبير عن اللّحن والصّوت عن طريق اللّون والصّورة/ 2008.
تعالوا بنا أصدقائي نستمتع بقصّة
"حكاية حبّة قمحٍ"
:
خَلْفَ التِّلالِ غابَتْ شَمْسُ النّهارِ، فَأحْضَرَ الجَدُّ الغَالي كانونَ النّارِ، أَشْعَلَ حزمةً من الحَطَبِ، وأنِسَ الجَميعُ بمنظَرِاللّهبِ. الجَدَّةُ وَالحَفيدُ وَالحَفيدَة، أُمُّ خَالدٍ وَأَحمَدُ وَحمِيدَة.
صَاحَ أحْمَدُ عَلَى غَفْلَةٍ، كَأنَّهُ يُغنّي في حَفْلةٍ:
يا جَدَّنا يا جَدَّنا, يا حُبَّنا يا مَجْدَنا,
إحْكِ لنا حِكايَة، لَها بِدايَةٌ ونِهايَة،
تَكونُ لنَا زَادًا للسَّهَر, وُتْفرِحُنا عامًا وَألْفَ شَهْر.
وَقَالَتْ لَيْلى فَرِحَة، تَتَمَايَلُ كَعُصْفُورَةٍ مَرِحَة:
يا جَدَّنا يا جَدَّنا، يا حُبَّنا يا مَجْدَنا،
إحْكِ لنَا حِكايَةََ الدِّيكِ التَّاجِر،
مَنْ كانَ في السَّرِقَةِ خَيْرَ ماهِر،
فتكونُ لنَا عِبْرَةً جَميلَة، لأيَّامِ العُمْر الطَّويلَة.
تَنَهَّدَ أبو خالِدٍ وَابْتسَمْ، شَيْخٌ وَقورٌ مُحْتَرَمْ، يَضُمُّ إلى حُضْنِهِ حَفيدًا وَحَفيدَة، أحْمَدَ الصَّغيرَ وَالصَّغيرَةَ حَمِيدَة، وَقَالَ بِصَوْتٍ رَخيمٍ هَادِئ، وَالجوُّ لطيفٌ دَافئ:
يا أحْفادي حَسنًا حَسنًا، ها هيَ جدَّتُكُم قَدْ أحْضَرَتْ لَبَنًا،
وَفَطائرَ ساخِنَةً مُحَمَّرَةً وَبِالعِلْتِ مَحْشُوَّة، وَالعِلْتُ لَذيذٌ يَمْنَحُنا الصِّحَّةََ وَالقُوَّة.
بَدأ الجَدُّ يَحْكي الحِكايَة، وَلِكُلِّ حِكايَةٍ بِدايَة، وبدايَةُ الحِكايَةِ: كانْ يا مَكَانْ, في سالفِ العَصْرِ وَالأوانْ, دِيكٌ فيهِ مِنَ الألوانِ سَبْعَة، يعيشُ بأمانٍ مَعَ أهْلِ ضَيْعَة.
فَشَكَرَتْهُ على فِعْلِهِ وأُعْجِبَ بِهِ الفلّاحون.
خَرَجَ الدِّيكُ رافعَ الرّأسِ فرِحًا. مُتباهِيًا نَافِشًا ريشَهُ مَرِحًا.
لمْ يَمْضِ مِنَ الوَقْتِ سَاعَة، كَأنّهُ صَحَفِيٌّ في إذاعَة، عَادَ الدّيكُ إلى الطّاحونِ، مُطلقًا صَيْحاتِهِ بِغَضَبٍ وَجُنُون، وَقالَ وَالكُلُّ إليْهِ مُنْصِتٌ، فَأَمْرُهُ غَرِيبٌ جِدًّا وَللنّظَرِ مُلْفِتٌ: " أُرِيدُ حَبَّةَ القمحِ أنا، أَعيدوها إليَّ فَهِي مِنْ حَقْلِنا !".
وَفعلًا لم يَمْضِ من الوَقْتِ سَاعَة، كَأنَّهُ صَحَفِيٌّ في إذاعَة، عَادَ بَعْدَها الدِّيكُ غاضِبًا يَصِيحُ، كأنّهُ في المَعْرَكَةِ جُنْدِيٌّ جَرِيح. وَطَالَبَ بِحَفْنَةِ الطَّحِين إلَيْهِ، وإلّا فَرَغيفٌ مِنَ الخبزِ يَكْفِيهِ.
حَمَلَ الدّيكُ الرَّغيفَ وَسَار، سَارَ وَتَوارَى عَنِ الأنْظار، وَصَلَ جَماعَةً مِنَ النّاسِ, تَبيعُ العَسَلَ على صَوْتِ الأجْراسِ، وَأهْداهُمْ رَغيفَ الخُبْزِ فَرِحًا، ثمّ سَارَ بَعيدًا يَرْقُصُ مَرِحًا.
لَمْ يَمْضِ مِنَ الوَقْتِ سَاعَة، كأنَّهُ صَحَفِيٌّ في إذاعَة، عادَ بَعْدَها مُطالبًا بِرَغِيفِهِ، وإلّا فَجَرَّةُ عَسَلٍ تَكْفيهِ، وَادَّعَى أنَّهُ كانَ أوْدَعَ الرّغِيفَ أمَانَة، وَعَلَيْهِم إرْجاعهُ إليْهِ بِلا مَلامَة.
حََمَلَ الدّيكُ جَرّةَ العَسلِ، مَشَى وَسَارَ بِلا كَلَل، وَصَارَتْ جَرَّةُ العسَلِ حَمَلًا، والحَمَلُ صار جَمَلًا، وَأخيرًا يَا أحْفادِي، وَالنّاسُ لأفْرَاحِها تُغَنِّي وَتُنادِي، يَرْقُصُونَ وَيُزَغْرِدُونَ وَيَدْبِكُونَ، لفرحِ جَارِهِمْ جَاؤُوا يُبارِكُونَ.
لِيُصْبِحَ عَشَاءً لَهُم في السَّهْريَّة، وَأعُودُ إليهِم بَعْدَ سَاعَة، كَصَحَفيٍّ يَعْمَلُ في إذاعَة، وَأُطالِبُ بِِحَقِّي وَأَمَانَتي، وَإلا فَعَرُوسُهم سَتُصْبِحُ عَروسَتِي!
سَمِعَ الخبّازُ كَلامَ الدّيكِ وَاحْتارَ، وَقَصَّ على المَلأِ الأسْرارَ، فَجاؤوا جَميعًا مُسْرِعين، وَقَبَضُوا عَلَى الدِّيكِ اللَّعينِ، وَبَّخُوهُ وَفَرَكوا أُذُنَيْهِ، أخَذُوا الجَمَلَ مِنْهُ وَمَا لَدَيْهِ، وقالوا لَهُ : يا دِيكًا ماكِرًا، يا مَنْ كُنْتَ في السَّرِقَة ماهِرًا، في حَيِّنا للسّارقِ قَصَاصٌ شَدِيد، فقد جَنَيْتَ على نَفْسِكَ يا بَليد.
وكانَتْ ليلَةُ الأفراح طويلةٌ، عَزَفَ العازِفونَ ألْحانًا جَميلَةً، إلى أنْ أطَلَّ الصَّبَاحْ، والدّيكُ نائِمٌ لا يَعْرِفُ الصِّياحْ.