مسرحيّة للأطفال
بطل الصّوم
بقلم الأديب طلال حسن
بيت العمة دبة ،
الببغاء يذرع المكان
الببغاء : يبدو أن العمة دبة ستجن ، والمهم أن لا
أجن معها " يتوقف " بل سأجن إذا لم
أعرف ما يشغلها هذه الأيام " الباب
يُطرق " إنه الثعلب العجوز .
الثعلب : " من الخارج " أيها الببغاء .
الببغاء : أدخل .
الثعلب : " يدفع الباب ويدخل " يا للعجب .
الببغاء : لا تعجب ، فأولاً أنت شخت ، ولم تعد
تخيف أحداً .
الثعلب : " يقترب منه " وثانياً .
الببغاء : أنت اليوم شبعان .
الثعلب : " مندهشاً " آه .
الببغاء : لقد أكلت بقايا فريسة عافها الأسد .
الثعلب : لستُ ضبعاً .
الببغاء : كلّ الثعالب تتحول إلى ضباع حين
تجوع .
الثعلب : لقد شختُ ، يا ببغاء .
الببغاء : لكنك ما زلت ثعلباً .
الثعلب : دعنا من هذا ، جئتُ إلى العمة دبة .
الببغاء : أرأيت ؟
الثعلب : لقد وجدتُ بغيتها .
تدخل العمة دبة ،
وسلتها مليئة بالأعشاب
العمة دبة : السمّان .
الثعلب : طير وأي طير .
الببغاء : لا تقل أنك تعرف مكانه .
الثعلب : أعرف تقريباً أين تهاوى .
العمة دبة : وبحثت عنه ..
الببغاء : لأجيء به إليكِ .
العمة دبة : " تبتسم " لكنك لم تجده .
الببغاء : " يحدق فيه " لابد أن العمة دبة سبقتك
إليه ، لسبب آخر ، وربما وجدته .
العمة دبة : لقد حلّ الظلام ، سيأتي إن لم يستطع
الطيران ، ومواصلة الطريق ، فأحد
جناحيه مصاب بجرح .
الثعلب : ليته لم يستطع ذلك .
العمة دبة : إياك أن تقترب منه إذا جاء .
الثعلب : لن أفعل ذلك إلا بموافقتك .
العمة دبة : " تنظر إليه " ....
الثعلب : إذا أكلتِه أعطني ..
الببغاء : أيها اللعين ، العمة دبة ليست أسداً ،
إنها دبة .
العمة دبة : ببغاء .
الببغاء : إنني أمتدحكِ " الباب يُطرق " أيتها
العمة ..
العمة دبة : " تنظر إلى الباب " لعله هو .
الببغاء : السمّان !
السمّان : " من الخارج " أيتها العمة .
العمة دبة : إنه هو .
الثعلب : " فرحاً " لم يطر .
العمة دبة : " فرحة " نعم ، لم يطر .
الببغاء : العمة فرحة ، وكذلك الثعلب ، يا للعجب
" الباب يُطرق ثانية " .
العمة دبة " تتجه نحو الباب " مهلاً إنني قادمة .
العمة دبة تفتح
الباب ، يلوح السمّان
السمّان : مساء الخير .
الثعلب " يندفع نحوه لا إرادياً " أهلاً .. أهلاً .
الببغاء : " يمسكه " توقف .
الثعلب : " يتوقف " إنني أرحب به .
الببغاء : من بعيد .
الثعلب : آه .
العمة دبة : " للسمّان " أهلاً ومرحباً ، تفضل .
السمّان : حاولت الطيران ، لكني لم أستطع ، وقد
خيم الليل .
العمة دبة : سأعالجك ، وأشفيك ، وستواصل
الطيران إلى بلاد الشمس ، في وقت
قريب .
الثعلب : ولمَ العجلة ؟
السمّان : " ينظر إليه " ....
الثعلب : أنت حقاً طائر سمين .
الببغاء : أيها الثعلب .
السمّان : " يتراجع " أنا .. سمّان .
الثعلب : وسمين أيضاً .
العمة دبة : " تبعد الثعلب جانباً " لندع ضيفنا يرتاح
قليلاً .
الثعلب : هذا ما أريده بالضبط .
العمة دبة : " للسمّان " تفضل يا عزيزي ، ارتح
هنا ، سأعالجك فوراً .
السمّان " " يجلس " أشكرك ، عسى أن أطير
قريباً ، وألحق برفاقي .
الثعلب " يحدق في السمّان " جرحه عميق ،
وقد لا يستطيع الطيران أبداً .
الببغاء : " يدفعه جانباً " ابتعد أنت عنه ،
وسيشفى .
الثعلب : دعني أريحه من عناء هذه الحياة .
السمّان : " خائفاً " أيتها العمة .
العمة دبة : " تأتي بأدويتها " لا تخف ، يا عزيزي
، إنني هنا معك ، ولن يجرؤ على
الاقتراب منك .
السمّان : أشكركِ .
العمة دبة : " تتفحص جناحه " هم م م م .. الجرح
بسيط ، وستطير ربما قبل أن تحدثني عن
كلّ ما تعرفه حول ما أريده .
السمّان : اطمئني ، حتى لو شفيت ، فلن أطير
حتى أخبرك بكلّ ما أعرفه .
العمة دبة : أنت من القطب ..
السمّان : الجنوبي .
الثعلب : حيثُ يعيش صديقي البطريق .
السمّان : " يحدق فيه " ....
الببغاء : دعك منه ، إنه لا يعرف البطريق .
الثعلب : إنني أراه منذ سنين ، وهو يطير فوق
الغابة ، مهاجراً إلى القطب الشمالي .
السمّان : لكن البطريق لا يطير ..
الثعلب : ماذا ! آه هذا جيد .
الببغاء : ولا يهاجر .
الثعلب : وهذا أيضاً جيد .
السمّان : والبطريق لا يعيش إلا في القطب
الجنوبي .
الببغاء : لقد خرف .
الثعلب : الشمالي قطب ، والجنوبي قطب ، فلماذا
..؟
العمة دبة : اسكت ، ودعنا نستفد من معلومات
ضيفنا .. السمّان .
السمّان : تفضلي ، اسألي ما تشائين .
العمة دبة : أريد أن أعرف بطل الصيام عن الطعام
، بين كائنات القطب ..
الثعلب : لو كنتُ في القطب ..
الببغاء : لمتَ من الجوع .
الثعلب : أنا ! يبدو أنك لا تعرفني جيداً ، إنني ..
العمة دبة : اسكت الآن ، دعنا نسمع السمّان .
الثعلب : " في هيام " أسمعْنا ، يا سمّاني .
الببغاء : " محذراً " أيها الثعلب ..
الثعلب : حسن " للسمّان " أسمعنا ، يا حبيبي .
العمة دبة : تكلم ، يا عزيزي ، إنني أصغي .
السمّان : بعض حيوانات القطب الجنوبي ، تهاجر
إلى حيث الغذاء والدفء ، كالبط البري
وأمثالي من طيور السمان ، والقسم الأكبر
منها يلجأ إلى السبات كالدببة ..
الثعلب : " يهمس للببغاء " يبدو أن العمة ليست
دبة .
الببغاء : " يشير بإصبعه " صه .
الثعلب : ليتها تسبت .
العمة دبة : " للسمان " واصل كلامك ، يا عزيزي.
السمّان : كالدببة والأفاعي والضفادع والسحالي
والقنافذ والسلاحف ، وهي تدخل مخابئها
، وتبقى فيها حتى الربيع .
الببغاء : العمة سألتكَ عن .. بطل الصيام .
العمة دبة : " للسمّان " نعم ، هذا ما سألتكَ عنه .
السمّان : طيور البطريق وذكور الإوز تترك
الطعام لفترة أثناء التكاثر واحتضان
البيض ، لكن بطل الصوم المطلق هو
.. آه يبدو أنني شخت .
الببغاء : ذكر أم .. !
السمّان : إنه ذكر ، وهو يظل بلا طعام عدة
أسابيع ، وبعد ذلك يخلد إلى النوم ،
ويرتاح ثلاثة أسابيع متواصلة ، ثم يصحو
ليعيش حياته المعتادة مرة أخرى .
العمة دبة : " تتنهد بارتياح " شكراً ، يا عزيزي ،
لقد أتعبتك .
السمّان : عفواً .
الببغاء : ليس هناك فقط أبطال للصوم ، هناك بطلات أيضاً ، وأن كانت لا تعيش في القطب .
العمة دبة : " تنظر إليه " ....
الببغاء : أنتِ حدثتنا عنها .
العمة دبة : أنا !
الببغاء : نعم أنتِ .
العمة دبة : آه ، تعني ..
الببغاء : نعم ، أنثى الإخطبوط .
العمة دبة : حقاً ، تذكرت .
الببغاء : إنها أم بكل معنى الكلمة .
العمة دبة : لا أعظم من هذه الأم ، فهي تصوم بعد وضعها للبيض ، وتبقى تحرسها ليل نهار ، دون أن تتناول أي طعام ، وحين يفقس البيض ، ويخرج الصغار إلى الحياة ، تتهاوى إلى القاع ، وتفارق الحياة .
يسود للحظة صمت حزين ،
الثعلب يفتح فمه ، ويتثاءب
الثعلب : آآآآ ه .
الببغاء : يبدو أنك نعست .
الثعلب : " ساخراً " معلومات قيمة .
العمة دبة : " تنظر إليه مؤنبة " ....
الببغاء : اذهب ونم .
الثعلب : " يتجه نحو الباب " سأنام مرتاحاً ، فأنا
شبع اليوم .
الببغاء : حمداً لله .
الثعلب : " عند الباب " لكني سأجوع غداً .
الببغاء : ليتك أنثى إخطبوط .
الثعلب : " ينظر إليه " إنني ثعلب .. ذكر .
الببغاء : ثعلب عجوز .
الثعلب : مهما يكن فأنا ثعلب " للعمة دبة "أخشى
أن السمّان لن يستطيع الطيران غداً .
العمة دبة : لا تخشَ ، سيطير .
الثعلب : وإذا لم يطر ، واشتدّ مرضه ، أنا
موجود .
الببغاء : " للثعلب " اذهب قبل أن تدفنك العمة
دبة حياً .
الثعلب : سنرى " وهو يخرج " إلى الغد .
العمة دبة : لقد شاخ .
الببغاء : إنه يعيش الآن كالضبع .
السمّان : في القطب ثعالب ..
الببغاء : أرجو أن لا تكون ، كهذا الثعلب
العجوز .
العمة دبة : الثعلب ثعلب في كلّ زمان ومكان .
السمّان : الثعلب القطبي ، رغم كلّ عيوبه ، كائن
جميل .
الببغاء : الثعلب جميل !
السمّان : يقال أنه ، يتحول في الشتاء ، إلى كائن
أبيض كالثلج .
الببغاء : لكن نواياه تبقى سوداء .
العمة دبة : " تضحك " كليل القطب ، الذي يمتد
لستة أشهر من السنة .
الببغاء : بل أسوأ ، لأن نوايا الثعلب واحدة ،
سوداء على مدى العام .
العمة دبة : ضيفنا متعب ، وغداً سيواصل طيرانه ،
لنذهب الآن إلى أسرّتنا .
الببغاء : أنتِ محقة " يذهب إلى سريره "
تصبحون على خير .
العمة دبة : الجميع " للسمّان " تعال ، يا عزيزي .
السمّان : " ينهض " أتعبتكِ اليوم .
العمة دبة : بل أفدتني ، لولاك لما عرفت بطل
الصوم في القطب الجنوبي .
الببغاء : " يغط في نومه " خ خ خ خ خ .
العمة دبة : " تكتم ضحكتها " نام الببغاء .
السمّان : يا للمسكين ، لابد أنه متعب .
العمة دبة : هذه عادته " تتوقف عند سرير " هذا
سريركَ ، يا عزيزي .
السمّان : " يتمدد في السرير " أشكركِ .
العمة دبة : " تتجه إلى سريرها وتتمدد فيه " تصبح
على خير .
السمّان : تصبحين على خير ، يا عزيزتي .
تخفت الأضواء ، لا
يسمع غير غطيط الببغاء
إظلام
5 / 3 / 2012