وكانَ ثلجيهما في انتظارِنا على أحَرِّ مِنَ الشّوقِ
بقلم محمد بدارنه
بَدَأتِ الطّائرةُ التي أقَلّتنا منَ اللِّدِ المُجاورةِ للرّملة بِالهُبوطِ رُويدًا رويدًا، فأرْضُ مطارِ مدينة ميونيخ الألمانيّة يَسْتَعِدُّ مُنْذُ الصَّباح لاسْتِقبالنا، وَبدَا لنا المَشْهَدُ مِنْ شبّاك الطّائرةِ في غايةِ الخيالِ والجمالِ والغرابَة والمهابَة!
أيُعْقَلُ ما نراهُ بأمِّ أعْيُنِنا؟
أهيَ قِمَمٌ سوداء مُبَعثَرَةٌ وَمُوزَّعَةٌ في سَماء ناصِعَةِ البياضِ؟ كأنَّها قُطْنٌ نَقِيٌّ أبيض قدْ حَضَنَ هذِهِ القِمَمَ!
أيُعْقلُ أن يكونَ هذا الأبيضُ الشّاسعُ ثلجًا في موسمِ الثّلج؟
لِمَ لا؟ لِمَ نَعَم؟
لمْ تمضِ دقائق معدودةٌ على أصابع اليدِ اليُمنى أو القَدَمِ اليُسرى، حتّى بدأتِ الطّائرة تختَرِقُ هذا البساطَ القطنيّ او الذي حَسِبْناهُ قطنيًّا !
ولمْ يكنِ البساطُ الا غيومًا بَيضاء نَقيَّة! وَملْمَسُها ناعمٌ كَزَغَبِ القطنِ! واعَجَباهُ! ما احلاها يا أمّاهُ! لقد أطَلَتْ علينا مدينة ميونيخ بِسِحْرِ اثوابِها وَأنوارها! أيُعْقلُ ما نراهُ؟ المدينة محاطةٌ بثوبٍ أبيضَ ناصعٍِ! ثلوجٌ تكسي المساحاتِ الشّاسعة كأنّها قد زُرِعتْ بالثَّلجِ كَيْ تصبحَ ثوبا أبيض لِعروسٍ جميلةٍ!
واستجابتِ الطّائرة لتوجيهاتي فحطّت على المسار المرسومِ لها على أرضِ المطار! وبين مسارٍ وآخرَ ينتشرُ الثّلج وَيَتَراكَمُ! فقد ظَلَّ على هذه الحالِ منذ أسبوعين ينتظِرُ زيارةَ أسرة تحرير الحياة للأطفال! فالأخيرة لا تحبّ الترجّل فوقَ بساطٍ أحمر مثل الملوكِ والرّؤساء! بل فوق بساطٍ ثلجيٍّ ناصع البياض!
في استقبالِنا كانَ المُضيفُ! فارس بدارنه، الملحّن الواعدُ الذي طالما أمطَرَ مَوْقِعَ الحَياة للأطفال بمقالاتِهِ الموسيقيّة، فهو يَدْرُسُ الموسيقا في جامعةِ ميونيخ، وَيَحلَمُ أنْ يصبِحَ ملحّنا بألحانٍ فَرْحانَة وأخرى نَعْسانَة!
وانطلقَ بنا القطارُ من مطارِ ميونيخ يشقُّ الحقولَ البيضاءَ الكانتْ خضراءَ صوبَ مدينة فرايزنج! وقد حَمَلَت هذه المدينة اسمَها كيْ يليقَ بِمُسَمَّاها! نعم لقد تَجَمَّدَتِ المياهُ في نهرها وفي بحيرتِها! ولم تعد المياهُ تجري ولا تموج! لقد باتت مرآةً زجاجيّةً ! وتذكّرْنا حينَها ما كَتَبَهُ الشّاعرُ اللُّبنانيّ الكبيرُ ميخائيل نعيمة في وصفِ النّهرِ المتجمّدِ في موسكو إبّانَ دراستِهِ الجامعيّة فيها! هل تعرفون هذه القصيدة الجميلة واسمها " النّهر المتجمّد" ؟
خلال ربع ساعة بقطار سريعٍ وَصَلْنا مدينة فرايزنج! هواؤُها باردٌ لكنّه ناعمٌ! وساحاتُها ملوّنة لكنَّها هادئة! وبيوتُها آسرة في جمالها، والظّباء تعيش حولَها مَعَ البطّ وَالدّجاج وَالطّيور! تقضي أوقاتَها في مزرعة أو حديقة كلّ بيت وهي تلعب مع رفيقاتِها! والألمانُ ، سكّانُ هذه المدينة يربّون الغزلانَ فقط من أجلِ الصّداقة مَعَ الحَيَوان! ومن أجلِ أن تَكْتَمِلَ الطّبيعة حولَ البيوتِ!
على هذهِ اللوحاتِ الجميلة عِشْنا يومَنا وَليلَتنا الأولى في مدينة فرايزنج! فقد تجوّلنا غداة صباحا في ساحاتِها وجامعتِها.
"الحياة في البحر" هو اسم المَتحَفِ الذي قَصَدْناهُ في اليومِ الثّاني لزيارتِنا لمدينة ميونيخ، ولا أبالغُ إن وصفتُهُ كقطعةٍ من الجنّة على أرضِ المانيا خبّأها الألمانُ وأعدُّوها تحفة للزّائرين! ما أنْ تدخلَ المَتْحَفَ حتّى تحسبه مغارةً ملتويةً طويلة، وطافحةً على جدرانِها، من اليمينِ والشّمال، بخزائن زجاجيّة شفّافة "أكفاريوم" وفيها تسبح بحريّة كلُّ أصنافِ الحيوانات البحريّة وما أكثرَها وما أجملَها وما أغربَ أشكالِها وما أروعَ ألوانها ! الأصناف من الأسماك بالمئاتِ! تسبح كما يَحلو لَها وَلنا! وترقصُ على موسيقا كلاسيكيّة فهي تعيش في ألمانيا، أرض بتهوفن وباخ وموتسارت!
أختزِلُ الحديثَ عن الأسماكِ بالصّور الجميلة فالحديث عنها يحتاج إلى 24 ساعة وهذا ما لا أملكُهُ اليومَ!
ودّعنا المتحفَ البحريّ والنّهار في منتصفِهِ، يلفظُ أنفاسَهُ الأولى! والنّاسُ تقبّل الشّمْسَ الخجولَةَ قاصدَةً معنا الخيامَ القريبةَ العملاقةَ والمنتشرة على عشراتِ الدّونمات! خيامٌ مجدولة من حِبالٍ حديديّة؟ وقماشُها من معدنِ يقي النّاس من أمطار المواسم! وقد نُصِبَتِ الخيامُ للزّائرين القاصدينَ ملاعب كرة القدم الخاصّة بفريق بايرن منخين Bayern Munchen أو الملاعب الأولمبيّة العملاقة!
لنْ أطيلَ الحديثَ عن هذه الملاعب فقد تزورونها يومًا وتكتبون أنتم مقالا لقرّاء الحياة للأطفال!
أوفيدازنْ!!!!!!!!! إلى اللقاء