اليه ....ولجنا المكتبة العمومية ..وكم كانت رحبة فسيحة ، مزدانة برفوف تحضن علما ومعارف وآدابا ومغامرات وتجارب أناس عاشوها ونقلوها لتظلّ عبرة لمن يعتبر ...خشعت الأنفس وأرهفت الأسماع كأنّها تنصت إلى هاتف يناديها وتتطلّع الأنظار الى زوايا المكتبة المؤثّثة كتبا اختلفت أحجامها وألوانها ...ففيها تتراء لك صورة العلاّمة بن خلدون وهو يحدّثنا عن كتاب المقدّمة وابن سينا يحمل بين يديه " كتاب الشّفاء " والخوارزمي يقدّم لنا "كتاب المختصر في حساب الجبر والمقابلة "وطه حسين يخضن كتاب الأيام ...وأبو القاسم الشّابي بشعره يغنّي للحياة ...وتزاحمت الصّور وارتسمت على وجوه أصحابها بهجة اللقاء حين حفّ بها أطفال في مقتبل العمر .... ولم تستكمل العيون رحلتها الاستطلاعيّة ،رحلة الامتاع والمؤانسة حتّى حلّ ركب الضيوف .
ضيوف احترفوا فنّ القراءة والكتابة ، ومع اطلالتهم انبسطت الأسارير وتلألأ ت العيون بهجة وأنسا وفرحا ولم يسع المكان فرحتنا وتضاعف شوقنا إلى سماع أقوالهم وتساءلنا بأيّ لغة تراهم سيخاطبوننا .....واسترجع المكان هدوؤه و سكينته وأرهفت الأسماع وتطلّعت العيون تمنع رمش العين فلعلّه يحرمها متعة مشهد أو صورة ....
وبادرنا أديبنا بالتّحيّة وأخبرنا بأنّ وجوهنا مألوفة لديه فهو يعرفنا وعلى علم بأخبارنا وتقدّم منّا ليبدّد المسافة الفاصلة بيننا ويده تمسك المصدح ويدسّ الأخرى في جيبه وهو بذلك يعلن دفء غمره وهو بيننا ...فحاورنا وحدّثنا عن " يوسف " وولعه بالكتاب وعشقه للمطالعة ...وعن "سعيد "