عَصْفٌ في الكتابة للاطفال مع الشّاعر محمد حبيب مهدي
تقديم الأديب محمد بدارنه
يسّرني أن أقدّم لكم ما يلي بروح التّقدير لشاعر جدير، والاحترام لناظم الانغام، والحبّ لرفيق الدّرب، الشّاعر محمّد حبيب مهدي، وقد ملأت أشعارُهُ جرار العسل، وصوَّرَتْ بالحبّ على وجنات الاطفال أرقّ القبل، وإن بخل شاعرنا في المقالة التّالية التي كتبها عن أدب الاطفال برأيه وتقييمه ووجهة نظره ولم يدلِ فيها بدلوه، إلا أنّ العصف الذي أثاره مع مجموعة من الادباء والشّعراء العراقيّين قد يعيد أدب الاطفال إلى موائده المنشودة ، وبذلك يستحقّ شاعرنا العراقيّ وردتين ، الأولى على ما جادَت به قريحته من قصائد رقيقة للاطفال سأقوم بنشر جزء منها وقد وصلتنا إلى حيفا هديّة عراقيّة كريمة، والوردة الثّانية على أنّ اهتمامه بأدب الاطفال عامّة وقيامه بمحاورة بعض الأدباء عن أدب الاطفال يساهم في إحياء وصياغة جديدة لمضامين معاصرة لادب الاطفال، أمّا قراءتي لما ورد في المقال عن أدب الاطفال فقد تعلّمت الكثير ممّا ورد فيها،وشكرا على كلّ حرفٍ فيها، لكن عتبي في بعض المحاوَرين من لا يقرأ النّصف المليان قبل أن يقرأ النّصف الفارغ في رحلة مجلة مجلّتي والمزمار، وحين نقرأ النّصف المليان قبل النّصف الفارغ نكون قد كرّمنا المستحقّين في هاتين المجلّتين، ونكون قد شجّعنا القادمين بإذن الله للفلاحة في حقول الطّفولة!
فيما يلي المقال التي قدّمها شاعرنا العراقي الحبيب وقد هداه الله إلى حقول الطّفولة :
من يكتب للاطفال ؟
اشكالية الكتابة للطفل بين ندرة التخصص وابتعاد الادباء
استطلاع: محمد حبيب مهدي
فيصل عبد الحسن : الطفل العراقي ولد محروما ممن يعني بالكتابة له
ابراهيم البهرزي : الطفل بعينيه البريئتين لا يتقبل المزورين .
عمر السراي: اخشى الدخول إلى عوالم الطفل وأن أقدم ما لا يستسيغه .
صادق الطريحي : أود لو أستطيع أن اكتب قصيدة للأطفال!!
عبد الحسن بريسم : ان بعض من يكتب للاطفال شعرا يكتب لنفسه وليس للطفل !
حسين علي يونس : لااستطيع ان انزل الى مستوى الطفل ، لا املك هذه الالية .
قد يبدواليوم عالم الكتابة للاطفال يعيش سباتا طال أمده الى أجل غير مسمى ، بعد ان كان يزدهر باسماء كبيرة جعلت منه شجرة باسقة لزمن طويل .أثمرت فيه كل ماهو مفيد وصالح يدعو لطفولة تتغنى بمستقبل وضّاح مدّت له الحياة يديها برحابة وأمل كبير، لكنما الامر أخذ يضمحل وينأى بعيدا من الوصول اليه ! تساؤلات مشروعة تجيز لنا فهم ما يؤخذ عليه أو التقرب منه ، لماذا كل هذا الابتعاد عن الطفل والكتابة له ؟ و مامعنى هذه النظرة القاصرة حول الكتابة للطفل عموما ؟ بعد ان كان العالم ومازال بأسره يتجلى بالمعاني الرفيعة والادب الكبيرفي الكتابة له ، حتى الاسماء المهمة في تاريخ الكتابة في العالم جربوا عالم البراءة في ابداعاتهم أمثال : ( تولستوي ، بوشكين ، سوتيف ، الفونس دوديه ،هانز كريستيان اندرسون ، لافونتين ) وغيرهم العديد.. أخترت مجموعة من الادباء العراقيين لاسألهم عن سر هذا البعد عن الكتابة للاطفال . فكان القاص والروائي فيصل عبد الحسن واحدا منهم فهو يقول :
ـــ ان الكتابة للطفل أصعب بكثير من الكتابة للكبار ، فهي تحتاج الى ثقافة خاصة وموهبة فطرية لا تتوفر عند جميع الكتاب، أضافة إلى أن بنيات الكتابة ، كأهتمام الكاتب البالغ بعلم النفس، وأهتمامه بمتابعة " السلوكيات" كفرع خاص من علم النفس يتطلب من الكاتب الذي يكتب للاطفال قصة أو شعرا أو مجرد خواطر، أو التعليق على رسومات تشبه الكاريكتير أن يكون خبيرا فيها .
وعن الاجيال التي مارست الكتابة للطفل فيقول القاص فيصل : ــ أما جيل الكتاب الذين كتبوا للطفل على فطرتهم ومن دون أن يبذلوا جهدا في تعلم أساليب الكتابة للطفل فقد تعلموا عن طريق الصواب والخطأ وعرض ما يكتبون - قبل النشر - على جمهور كبير من الأطفال ليصححوا ما كتبوا ، وللأسف لم ينجح الكثيرون منهم ولم يرسخوا أسماءهم في الكتابة للطفل العراقي، وبالمناسبة الطفل العراقي ولد محروما ممن يعني بالكتابة له، وجميع التجارب في الثمانينات والتسعينات في العراق فشلت لأنها كانت موجهة بتعليمات وضوابط سلطوية وبالضبط كما يحدث اليوم، وإن تغير الشكل، ولكن بقيت ذات الضوابط في المنع والتحريم والتوجيه من أعلى من دون فهم حقيقي لحاجات الطفل وأهتماماته .
وحول القصور الذي شمل ثقافة الطفل في الاعوام الاخيرة أشار القاص والروائي فيصل عبد الحسن : ـــ اضافة إلى أن جهة الأهتمام بالطفل لا تملك الموارد المالية الكافية لجذب الكتاب لدراسة هذا النوع من الكتابة والتخصص فيها، ففي أوربا مؤسسات كاملة تعمل لثقافة الطفل وجميعها مدعومة من الدولة - من دون تدخل سلطوي بالطبع- وفي العادة هذه المؤسسات تستكتب كتابا للكتابة للطفل وتدفع لهم مقدما وتوفر لهم أجواء الكتابة للطفل في مدينة خاصة للأطفال أو في احد المنتجعات الكشفية، أو في ذات المؤسسات وتزيل جميع العقبات التي تعترض الكاتب وتوفر له المراجع الخاصة بأي موضوع يحاول البحث فيه أو الكتابة عنه .
واستذكر عبد الحسن كيف كان الاهتمام بصحافة الاطفال وكتابها فيقول : ــ في بداية الستينات توفر جزء من هذا الاهتمام بالكاتب في مجلات وكتب خاصة بالطفل في لبنان حصرا وتمت ترجمة مجلات خاصة بالأطفال من لغات أخرى أتذكر منها ( بساط الريح ) وأخرى تتحدث عن مغامرات ( سوبرمان ) و( الوطواط ) ولكن التجربة أنتكست بسبب التغييرات التي حدثت في أسواق الكتاب بعد نكسة حزيران حيث بدأ الأهتمام ينصب على الثقافة الثورية الاستهلاكية وعسكرة الحياة بما فيها الطفولة الغضة على أعتبار أن كل شيء من أجل المعركة وأغلق سوق الأستهلاك في العراق وقد كان يعتبر من أكبر اسواق الأستهلاك للمطبوع اللبناني . واضاف عبد الحسن :
ابراهيم البهرزي : الطفل بعينيه البريئتين لا يتقبل المزورين .
أما الشاعر ابراهيم البهرزي الذي أصدر مجموعته الشعرية ( صفير الجوال آخر الليل ) وله العديد من قصائد الاطفال فيقول : ـــ اود فقط تصحيح امر ما , وهو انني لم اكن مطلقا بعيدا عن كتابة قصيدة الطفل , حيث نشرت العديد من قصائد الاطفال في النصف الثاني من سبعينيات القرن المنصرم وعلى صفحة (مرحبا يا اطفال ) في جريدة (طريق الشعب ) حينها... وما تلاها من السنين حدث ما حدث من حروب وتوابعها , الروح غادرت الطفولة قسرا بسبب هذه المناخات , غادرت العوالم التي تنمو بها قصيدة الطفل .
وأكد البهرزي : ــ لاسباب نفسية وشخصية لم اعد قادرا على استحضار ذلك الاستعداد اللازم لكتابة قصيدة الطفل , لان الامر مع هذه القصيدة لا يتحمل الاصطناع والفبركة , الطفل بعينيه البريئتين لا يتقبل المزورين , اعتقد ان من تغادره براءة الطفولة سيكون صعبا عليه ان ينشد اناشيدها , امر مؤسف حقا يتحمله الطغاة الذين افسدوا علينا قدرة التماهي مع الطفولة..
عمر السراي
اخشى أن أفشل في الدخول إلى عوالم الطفل وأن أقدم ما لا يستسيغه .
وللشاعرعمر السراي الذي اصدر( ساعة في زمن واقف ) و( ضفائر سلم الاحزان ) و( سماؤك قمحي ) رأي آخر في الكتابة للطفل فيقول : ـــ هناك صعوبة لا استطيع تجاوزها في الكتابة للطفل .. لأن الكتابة للامير الصغير تحتاج إلى مستوى تدربت قابلية إبداعي على الابتعاد عنه .. هو أدب كبير وواسع لا اجيده كما اخشاه حيث اخشى أن أفشل في الدخول إلى عوالم الطفل وأن أقدم ما لا يستسيغه .. وأعتبر السراي : ــ أن الكتابة للطفل هي قمة الإبداع فالشعروالأدب ليس علبة دواء كتب أسفلها ( يحفظ بعيدا عن متناول الأطفال ) .. تشهد الساحة الثقافية الآن أسماء مهمة ومثابرة في الكتابة للطفل على كل مستويات الأجناس الادبية والفنية .. لكن ما أشكله عليها .. هو أن الطفل لم يعد ابن الاسترخاء السابق المائل للقراءة فقط .. بل تطور ليحمل عقلا مفكرا ومستنتجا بحيث يميل للتحليل والتفسير .. وتمنى الشاعر عمر السراي ذلك فيقول : ــ لذا أتمنى أن يستثمر ادباء الطفل أفكارهم لتتضافر مع تقنيين تكنلوجيين للتوصل إلى لعبة جاذبة ألكترونية او ورقية .. او جانب آخرحسب رأيي الخاص .. أن أدباء هذا الزمن هم التقنيون .. وأكد السراي بأن هناك هوة بين الأدباء والتقنيين فيقول : ــ ما ادى بنا إلى هوة في التعامل مع الطفل هو العزلة بين التقنيين والأدباء في مجال الطفولة خصوصا .. أؤمن أن على الاديب أن يدخل إلى مجال الاحتراف بحيث يستثمر نتاجه لدعم التطور واستثماره في كل مجال .. والأديب هو المختص بصياغة كل شيء للطفل ابتداء من الألعاب إلى القصيدة .
وسألت السراي عن محاولاته في الكتابة للاطفال فيقول : ــ كتبت أغاني خاصة بي للأطفال .. أرددها مع اصدقائي ممن هم في أعمار صغيرة .. لكني لم أدخل مجال الكتابة للطفل ربما لأنها تحتاج إلى توفير ظروف خاصة للإبداع وتغيير مستوى الاشتغال من قبلي .
صادق الطريحي
الآن أود لو انني استطيع أن اكتب قصيدة للأطفال!!
وللشاعر صادق الطريحي الذي صدرت له ثلاثة مجاميع شعرية (تجربة في سيمياء الخلق) و( للوقت نص يحميه) و (مياه النص الأول ) يقول عن سبب عدم الكتابة للاطفال :
ــــ أعتقد إن سبب نفور الأدباء من الكتابة للأطفال يرجع إلى أسباب عدة : ـ ليس لدى الأديب ذلك التراث الضخم في الكتابة للأطفال، الأمر الذي لايساعده في الانتاج. وليست الكتابة للأطفال بالأمر السهل، ولا تكفي الموهبة وحدها للكتابة لهم، بل يحتاج الشاعر إلى ثقافة واسعة حول نفسية الطفل ومستواه الفني وقدراته العلمية ، الخ ..
ـ أعتقد إن لبعض الشعراء موهبة خاصة في الكتابة بادب الطفل ، وكأنه يستطيع أن يحمل معه وعيه الطفولي ويستطيع أن يدرك كيف تستطيع القصيدة او القصة ان تؤثر في الطفل.
ويضيف الطريحي : ــ من يستطيع الكتابة للاطفال ولا يكتب، فهذا يعني إنه يبحث عن الأضواء والظهور الإعلامي ، الخ ... ربما لا يوفره جنس الكتابة للاطفال، لكنه لا يدرك إن الكثير من الأضواء زائفة ، وان الضوء الحقيقي هو النص الأدبي المبدع سواء كان للأطفال او الكبار.
وعن قراءآته الشخصية لادب الاطفال يقول الشاعر الطريحي : ـــ من خلال تجربتي الشخصية في الطفولة وانا أتابع مجلة مجلتي وصحيفة المزمار ، وما ينشر فيهما من نصوص بعضها موجه ايديولوجيا وبعضها نقي خالص للطفولة ، كانت أمنيتي أن اكون شاعرا ولكن ليس للاطفال، والآن أود لو انني استطيع أن اكتب قصيدة للأطفال!!!!
حسين علي يونس
لااستطيع ان انزل الى مستوى الطفل لأنني لا املك هذه الالية .
من جهة أخرى تحدث لنا الشاعر حسين علي يونس الذي صدرت له عن منشورات دار الجمل كتابان في الشعر ( حكايات ومرائر) و( خزائن الليل ( وروايته الأخيرة ( يوميات صعلوك ) التي صدرت له عن دار نون ، تحدث عن شروط الكتابة للطفل فيقول :
ـــ المشكلة يامحمد ان الطفل يفضل الايقاع والمباشرة انت تعرف ان الشاعر طفل صلب ليتحمل صدمة الاخرين يجب ان يكون مخاتلا هذه المخاتلة هي ضد الطفولة اذا اردت ان تظل طفلا يجب ان تكون هشا ، معادلة يدفع ثمنها الشاعر الطفل مثل محمد حبيب مهدي اما انا فلقد شخت ولم تعد ادواتي تتناسب مع اليات عالم الطفولة .. وعن قراءاته لادب الطفل يضيف حسين علي يونس فيقول : ــ اقرا بعض القصائد للبعض لكنها لاتمت بصلة لذلك العالم قصائد رديئة ل (...... ) تستجدي الطفولة لا اكثر فيها ادعاء وتزلف صبياني .. خيون دواي الفهد كان شاعر طفولة جميل و( ..........) وشخص آخر اسمه جعفرعلي جاسم ..
عبد الحسن بريسم
ان بعض الشعراء يكتب لنفسه وليس للطفل !
من جهته تحدث الشاعر عبد الحسن بريسم الذي أصدر( قصائد مخططة وبائع المطر وديوان البريسم وديوانه الرابع احبك بسلطة الدستور) فيقول بصراحة وافية :
ــ اجد ان كتابة قصائد للاطفال مهمة صعبة لان علي ان اكون صادقا قريبا من هذا العالم الصافي البرئ وانا اجد ان في قصائد عالم الطفولة واضح المعالم ولكن صعوبة القصيدة للطفل تكمن ان في كيفية الوصول الى عقل الطفل دون الاستهانة بهذه العقلية التي تبدا بمعرفة كل ما يحيط بها من لحظة الولادة ولابد للشاعر ان يكون بهذا المستوى من الادراك والمعرفة .. وأوضح البريسم : ــ ان بعض من يكتب للاطفال شعرا يكتب لنفسه وليس للطفل وهذه مشكلة كبيرة فليس الطفل الموجود داخل نفس الشاعر وهي الطفولة في عالم الاطفال لذلك اجد ان الكتابة شعرا للاطفال تحتاج معايشة ودراسة وبراءة عند الشاعر قبل الدخول هذا المدخل الخطير..
سألت الشاعر البريسم : ـــ وما الخطورة فيه ؟ يقول :
ـــ الخطورة تكمن في الموضوعة المختارة لتكوين القصيدة لان الطفل اكثر ذكاء في معرفة ما يكون من طرح ثم ان الشعر المكتوب للطفولة اكثر نقاء مما يكتب الان .
وأشار البريسم الى ماتحتاجه قصيدة الطفل فيقول : ـــ ان القصيدة المكتوبة للطفل في العراق تحتاج الى الكثير خاصة بعد رحيل اغلب من تخصصوا بها ولا اذكر الاسماء ولكن اتمنى ان تكون هناك مهرجانات لقصيدة الطفل وايضا جوائز مهمة لكي نعطي هذه التجربة ابعاد حقيقية وبالتالي يكون عندنا شعراء للطفولة وربما اكون انا واحد منهم .
أخيرا سألت الشاعر عبد الحسن بريسم : هل جربت يوما كتابة قصيدة الطفل ؟. قال : ــ نعم كتبت للطفل الكثير من القصائد في ديواني الاولى ( قصائد مخططة ) ومنها : ( نجوم كاذبة ) و( الشاطر حسن ) وغيرها . لكنها ليست للاطفال حصرا ولكنها قصائد لطفولتي . قريبا سوف اجمع ما كتبته ليكون ديوان مستقل للطفولة .