ونظراً لعدم وجود فضائيات أطفال متخصصة في التنمية اللغوية والأدبية تحديداً، فإن القنوات المتاحة تقوم ضمناً بإشاعة ونشر أدب وشعر الأطفال بطرق إخراجية متنوعة وبالكثير من المضامين متفاوتة الجودة، مما جعل الشعر يشكِّل جزءًا من مهام هذا الإعلام السمعبصري الأكثر جذباً للطفل من بين وسائل الإعلام. وقد تجاوزت بعض هذه القنوات عدة مراحل من النجاح في تطوير الشعر الطفلي، ليصبح قادراً على أداء دوره التربوي والأدبي والتثقيفي والترفيهي، ويلبي رغبات الطفل واحتياجاته ويسهم في بناء مستقبله. وبذلك صار الشعر من أنواع الفنون التعليمية الهادفة التي يقدمها الفضاء للطفل، هذا الشعر المطوَّر الذي استطاع أن يقترب أكثر من الطفل وينجح في التعبير عن طفولته.
وقد ظهرت في السنوات الأخيرة أسماء لشعراء تخصصوا في الكتابة للتلفزيون، وربما لم يصدر للكثير منهم مجموعات شعرية مطبوعة للنشء، إلا أنهم يعملون بوعي ودقة شديدة، وقد شكَّلوا أدباً فيه خصوصية، وتنوعٌ إبداعي، وتطويرٌ حقيقي، واكتمال للأركان والشروط؛ مما يؤهله للتناول، وربما يبرر لنا أن نسميه بشعر الأطفال الإعلامي، كتمييز لهذا النوع الشعري الذي كثيراً ما تختلف أساليب كتابته عن أساليب كتابة قصيدة الطفل المطبوعة والمسموعة. ومن خلال تجربتي في الكتابة لبعض قنوات الأطفال، عرفت مدى الصعوبة التي تواجه الشاعر حتى يكتب نصًّا يمكن أن يتم إخراجه بالمشاهد الحية أو الرسم الكرتوني أو الرسم ثلاثي الأبعاد، وهذه الصعوبة هي أحد مكامن القوة في هذا النوع الشعري.
إن الطفل - كمستقبِل لرسالة الإعلام الهادف - يطمح إلى أن يعرف المسؤولون عن هذه الفضائيات القيمةَ الحقيقية للشعر والمكانة الكبيرة للإنشاد لدى الطفل، فيهتموا بثقافة الصورة، وجماليات الكلمة، وتنويع وتجديد المضمون، وزيادة الإبداع والابتكار في طرق الإخراج والصوتيات، ثم يبثوا كل ذلك من خلال برامج وحملات إعلامية تربوية مخططٍ لها بعناية وبعيدة عن الطرح العشوائي، بحيث تدعم منظومة القيم الاجتماعية والإنسانية والأخلاق والمهارات الحياتية.
أما إذا أردنا الحديث عن معايير الجودة التي يحتكم إليها الطفل عند مشاهدة أنشودةٍ ما، فربما يحتل المرتبة الأولى عنده إخراجُ النشيد وجمالياته الفنية والصوتية وعناصر البهجة التي تتضمنه، لذلك نجحت بعض القنوات في استقطاب أطفالٍ قادمين من قنوات أخرى استهلاكية ربما حرصت على المضمون ولكنها لم تواكب التطور المظهري العام لإعلام الطفل الحديث، فأصبحت بذلك محصورة في نطاق ضيق بسبب التقليدية وضعف الأداء والإخراج وتكرار الأفكار وعدم الإبداع، وهذه ظاهرة غير صحيَّة ولا تواكب الرؤى التي يطمح إليها إعلام الأطفال. وهنا أشير إلى ما تتضمنه بعض النصوص المؤدَّاة من أفكار خاطئة ومشاهد سلبية تضر بسلوكَات الطفل وأخلاقه ومبادئه التي يسعى إعلام الطفل إلى تعزيزها وتنميتها، فلا بد من معالجة ذلك حتى لا يُستغل حب الأطفال للإنشاد بطرق غير سليمة.
إن تقديم الدعم للإعلام الهادف الموجه إلى الطفل أهمُّ من تقديمه إلى مصارف إعلامية وثقافية قد لا تعود بفائدة عليه. كما أن زيادة الدعم بأنواعه، مع مراعاة الأولويات، يؤدي إلى رفع نسبة التجديد والإبداع والإنتاجية فيما يقدمه إعلام الأطفال. وكم تسعدنا رؤية قنواتٍ معروفة بذلت - على قلة مواردها - جهداً كبيراً في تطوير مضامين أدب الأطفال وتنويع طرق إخراجه؛ سعياً لتحقيق مصلحة الطفل التي انطلق من أجلها هذا الإعلام.
وهذه دعوة للتشارك في المسؤولية بين المؤسسات الثقافية والإعلامية والأفراد المهتمين، لتكثيف ورش العمل والندوات في هذا المجال، ولرصد هذا الشعر، ونقده أدبيًّا وفكريًّا، ودراسة مستوياته وأنواعه ومساحاته، وتطويره وتحليل مضمونه وخطابه، وقياس مدى فعاليته ونفعه حسب الشرائح المستهدفة، وتوجيهه وَفْق معايير وضوابط. وفي سبيل ذلك نحتاج إلى الاهتمام الجاد، وإزالة العوائق والصعوبات، واستقطاب أصحاب الكفاءة من التربويين والإعلاميين والأدباء ومحترفي الكتابة للنشء، كما نحتاج إلى إحصاءات حول الشعراء والقصائد التي بُثت في فضاء الطفل، وذلك بالتنسيق مع هيئات الإذاعة والتلفزيون والجهات المهتمة بأدب الطفولة وثقافتها. ونطمح أيضاً إلى تدوين هذا الشعر وجمع متناثره في دواوين حتى لا يُفقد أو يبقى شفاهيًّا، مع استبعاد المكرر وغير المناسب، ليدخل في مجال الأدب المكتوب القابل للدراسة والمقاربة النقدية.