حكاية شعبيَّة عَرَّبّها محمد بدارنه
مهداة إلى الدّكتورة ماريا هارمان
قديماً قديماً، قَبْلَ أَنْ تُكْتَشَفَ الشُّوكالاتَه بِسنين،
في بِلادٍ مُشْمِسَة وُمُقْمِرَة، حَيْثَ يَعيشُ الجَبَلُ مع البَحْرِ في حَيَاةٍ زَوجِيَّة رَغِيدَة،
وَتَطْفَحُ الكُرومُ وَالبَيادِرُ وَالحُقُولُ بِالخَيْراتِ النَّضِرَة، وَبِِالفَواكِه البَحْرِيَّة، وِفْقاً لِكُلِّ فَصْلٍ مِنْ فُصولِ السَّنة، عَاشَتْ هُناكَ شُعُوب الكِيمِييَايَا.
وَرَغْمَ أَنََّ شعوبَ الكِيمييايا لَمْ تَمْتَلِكْ بُيُوتاً وَقُصوراً وَشوارِعَ وَنَوادي، إلّا أَنّها عاشَتْ حياةً سَعِيدَة في تِرْحَالِها، مِنْ مَكَانٍ إلى آخر، تماماً مِثْلَ البَدْوِ الرُّحََّل! فَبِلادُ الله واسِعَة!!
وَقَدْ تَسْأَلونَ: ما سِرُّ سَعادَة شُعُوبِ الكيمييايا ؟
لَقَدِ اسْتَوْعَبَتْ شُعُوبُ الكيمييايا أَنَََّ كُلََّ النَّاسِ وَالحَيَواناتِ تَنْتَمي للأَرضِ على حَدٍّ سواء! وَلِهذا فَقَدْ تَقَاسَمَ النَّاسُ وَالحَيواناتُ الطَّعَامَ وَالشَّرابَ وَالهواءَ، وَلَم يَخْزِنُوا في مخازِنهم مِن الخَيْراتِ فَوْقَ حاجَتِهِم، ولم يَحْملِوا مَعَهُم مِنَ الطَّعام إلَّا ما يحتاجونَهُ.
وفي أَحَدِِ الأَعوامِ شَحَّتِ الأَمْطارُ وَجَفَّتِ الأَرضُ، وَنَحُلَتِ الأَجْسَامُ، لِدَرَجَة أَنَّها لَمْ تَعُدْ تَقْوَى على التِّرْحَال!!
وفي إِحْدى الأُمْسياتِ المُقْمِرَة السَّاحِرَة بِجَمالِها،
حَمَلَتْ إِحدى الأُمَّهَات طِفْلَها بِغَمْرَةٍ مِنْ ضوءِ القَمَر الفِضِّيِّ،
لكِنَّ الجُوعَ حَالَ دُون أَن يَنَامَا!!
نَظرَتِ الأُمُّ إلى القَمَر وَهُو في بَدْرِ التَّمام! وما احْلاهُ!
وَاسْتَنْجَدَتِ المرأَةُ بالقَمَرِ قائلَةً: رَحْمَةً، يا قمر ساعِدْ شَعْبِي، شَعْبَ الكيمييايا !!
كمْ يَحْتاجُكَ شَعبي يا قمر! والحَيَواناتُ وَالنّباتاتُ يا قمر!
وإِذْ بِهَالَةٍ مُسْتَديرَة من ضَوْءِ القَمَر تُغادِرُ القَمَرَ صَوْبَ الأُمِّ وطِفْلها! وَتَشُقُّ دَرْبَها.
وَاسْتَحَمَّ الطِّفْلُ وَأُمُّه بِنُورِ القَمَرِ، وَاسْتَحَمََّتِ الصُّخورُ وَالأَشْجارُ بهذا النُّور الرّائعِ وَالسَّاحِرِ وَالنَّاعِمِ وَالحَنُون!
وَمَا أَرْوَعَ المفاجَأَة! لَقَد ظَهَرَتِ امرأَةٌ جَمِيلَةٌ، بَلْ أَطَلَّتْ اجْمَلُ امْرأَةٍ في الدُّنيا!
بِفستانٍ أزرق جَميلٍ! مُحاطَةٌ بهالَةٍ من الضّوء والنّجوم الفضّيَّة وَالذّهبيّة!
سَأَلَتِ الأُمُّ المرأَةَ الجميلة: مِنْ أَيْنَ اتَيْتِ؟
قالَتِ المرأَة: مِن هُناك، مِن القمرِ، مستجيبَةً لِندائِكِ بِالمُسَاعَدة!
ولأَنَّكِ طَلَبْتِ المساعَدة لِغَيْرِكِ من البَشَرِ والشََّجَرِ والحَجَرِ، والنَّباتِ وَالحَيَوانِِ،
ولأَنَّك لم تكوني أَنانيَّة، فها أَنا اقِفُ بَيْنَ يَدَيْكِ!
اِفْتَحِي يَدَيْكِ أَيَّتُها الأُمُّ المُبارَكَة، وَخُذي هذِهِ الحَفْنَةِ مِنَ الحُبُوب!
اِزْرَعيها في الأَرضِِ حينَما يكونُ القَمَرُ بَدْرَ التَّمام!
وَتَذَكَّرِيني حينَ الزَّرْعِ وفي السّماء الغمام ! فالخيرُ آتٍ آت.
وَفَجْأَةَ صَرَخَ الطِّفْلُ باكِيَاً! وَطَلبَت المرْأَة أَن تََحْضُنَ الطِّفْلَ،
فَاسْتأذنَتْ الأَمْرَ مِنْ أُمِّهِ!
وَراحَتِ المَرْأَة تُغَنِّي اَجْمَلَ الأَغاني وَاَعْذَبَها!
حَتَّى هدأَ الطِّفْلُ وَنَام وَهُوَ مُبْتسِماً!
وَبَعْدَ أَنْ اَهْدَتِ المَرْأَةُ الجَميلةُ أَغانيها العَذْبَةَ للطِّفلِ، اَعادَتْهُ إلى أُمِّهِ سالماً يَنْعَمُ بالنَّوْمِ الهادِئِ والأَحْلامِ الوَرْديَّة! وَطَلبَتْ مِنْ أُمِّهِ: اَرْجُوكِ أَنْ تغنِّي هذِهِ الأَغاني لكُلِّ الأَطْفَال الجِياعِ، وَالذين يُعانُونَ صِعَابَ الحياة!
ولا تنسي أَن تَتَذكِّريني كُلَّما غَنَّيْتِ!
وَعَادَتِ المرأَةُ الجميلةُ إِلى السَّماءِ وهي مُحَاطَةٌ بهالَةٍ مِنَ النُّور.
في ذاكَ الرَّبيعِ، عَلَّمََتِ الأُمَّ أَهْلَ الكيمييايا كَيْفَ يزرعونَ بذُورَ القَمْحِ في الأَرْضِ،
وَغَنَّتْ لكُلِّ الأَطْفَالِ ما سَمِعَتْهُ مِنْ أُغنياتٍ،
وَتذكَّرَتْ دائماً المرأَةَ الجَمِيلةَ، صورَةً وَصَوْتاً, وَصَوْتًا وَصورة !
وَمُنْذ ذلك اليَوْم، نَبَتَ الزَّرْعُ، وَاخْضَرََّتِ الحقُولِ،
وَصَارتِ الغِلالُ وفيرةً وَالسّنابل غِماراً،
وَسَعدِ كُلُّ النَّاس، ولم تَعُدْ حاجةُ للتِّرْحَالِ بَحْثاً عَنِ القُوتِ والشّرابِ!
وَمُنذُ ذلك اليوم،
والنَّاس تَتَأَمَّل وَجْهَ القَمَر وَتَرى فيهِ وَجْهَ المَرْأَة الجَميلة
وهي محاطةً بهالَةِ مِن الضّوء!