د .مهند محمد الشعبي .
دمشق : نيسان / 2005 .
بَدَأت ِالحِصٌّة ُالأولى ، وأخَذتْ مُعَـلـِّمَة ُمادَّة ِالرِّياضيِّاتِ{نور} تـَشْرَحُ الدَّرْسَ، ولمْ أكـُنْ أعـْلـَمُ أنـَّني سببُ الضَّجيجِ الـَّذي يـَصْدُرُ في غـُرْفـَة ِالصَّـفِّ . فـَجْأة ًتـَوَقـَّفـَت ِالمُعـلـِّمَة ُعَن ِالشَّرْحِ، وبَدَأتْ تـَتَأمـَّلُ فيَّ. فـأصابَـني ارْتـِباك ٌ، وجَمَدْتُ في مـَكاني ، ثـُمَّ دارَ بَيْنـَنا حـِوارٌ سَريع ٌحاسِـمٌ:
- مُنـْذ ُدَقائِقَ ، وأنـْتَ تـُفـَتـِّشُ حَقيبـَتـَكَ مَـرَّة ًبَعـْدَ مَـرَّةٍ . أنـْتَ لا تـَنـْتـَبـِـهُ للدَّرْس ِ.
- مِسْطـَرتي، قـَدْ وَضَعـْتـُها في حـَقيبتي أمْس ِ، والآنَ لا أجـِدُها .
- رُبـَّما نـَسيـْتـَها في البـَيـْت ِ، هـَيّا انـْتـَبـِه.ْ
في ذلكَ اليَوْم ِكـُنـْتُ أشْعـُرُ أنَّ زَمَن َالحـِصَصِ طـَـويل ٌ جـِدّ ًا، بَـلْ سَـنـَةٌ فـَأكْـثـَرُ ، ولـَمْ يَهـْدَأ بالي ، فكـَـلـِمات ُالمُعـَلـِّمَة ِونـَظـَراتـُها كانـَتْ تـَدُلُّ على أنـَّها لَـمْ تـُصَدِّقـْني . ولـَمّا عـُدْتُ إلى البـَيْتِ تـَفـَقـَّدْتُ مِسْطـَرَتي في كـُلِّ رُكـْن ٍمِـنْ أرْكان ِغـُرْفـَتي ، ولـَمْ أجـِدْها ، ثـُمَّ قـَلـَّبْتُ حـَقـيبَتي رَأسْاً عـَلى عـَقـِبٍ، وأفـْرَغـْتُ ما فيها دُفـْعـَة ًواحِـدَة ً، فـتـَناثـَرَت ِالكـُتـُبُ والدَّفاتـِرُ والأقـْلامُ في كـُلِّ مَكانٍ، ولَـْم أعـْثـُرْ عـَليْها. وبَعـْدَ ذلكَ أرْسَلـْتُ يَدي إلى جـَوْفِها تـَبـْـحَـث ُعَـنـْها ، فـَعـَثـَرْتُ عـَلـَيْها مـُلـْتـَصِقـَة ًبـقاعـِدَة ِالحـَقـيـبَـةِ، حاوَلـْتُ إخـْراجَـها مـِرارًا فـَلـَمْ أفـْلـَحْ ، وأرْسَلـْتُ رَأسي فيها أنـْظـُرُ إليها ، فوَجَـدْتُ في عـَيـْنيها الدّائـِريَّتـَيـْن ِدُمـوعًا سَخـينـَة .
وبـادَرْتـُها إلى القـَوْل ِ مـُـتـَسائـِلاً :
- مـا الأمـْرُ؟ لـَقـَدْ أحـْرَجـْـتـِني ، هذا اليَوْمَ ، كـَثيرًا. أخـْـشى أنْ تـَظـُنَّ المُعـَـلـِّمَةُ أنـّي كـُنـْتُ أكـْـذ بُ عـَـلـَيْها ، لـَقـَدْ شَعـَـرْتُ بأنَّ ثـِيابي اتـَّسَـعـَتْ .. وصـِـرْتُ صـَـغـيرًا. لا، لـَنْ أسـامـِحـَـكِ.
- تـَوَقـَّفْ عـَنْ هذا، فـَما ز لـْتَ ، كـَعادَتـِكَ ، مـُتـَسَـرِّعًا في إطـْلاق ِالأحـْكام ، تـَرى نـَفـْسـَـكَ أوّلا، ولا تـَبالي بـِمـشـاعـِر ِمَـنْ حـَوْلـَـكَ .
- آ... ماذا تـَقـْصـِدينَ ؟ هـَيـّا قـُولي .
- أمْس ِجـَعـَلـْتِني وَسيلة ًللأذى، فـضَـرَبْـتَ بـِطـَرفي أذنَ سامحٍ، جار كَ في الـمَقـْعـَد ِالأمامي، وأنـْكـَرْتَ أنـَّـكَ مَـنْ ضَـرَبَـه ُ، وتـَخاصَمَ مَعَ جاره جـِرّاءَ ذلكَ . وأنا مُسْتـَـقَـيـمَـة ٌأحـِبُّ الاسْـتـِقـامـَة، ولا أحـِبُّ الـطـُّرُقَ المـُلـْتـَوية َكالأذى والكـَذبَ .. ولـِذا امـْتـَنـَعـْتُ عـَنْ مُـساعـَدَتـِكَ في حـَلِّ مَـسائـِل ِالرِّياضيـّات .
أدْهـَشـَـني مـِنـْها هذا المَـوْقـِفُ ، وسُـرُرْتُ لاسْـتـِقـامـَـتـِها ، وقـَبـَّـلـْـتـُها قـُبـْـلة َمَـنْ يـَرْجـو العـَفـْـوَ و السَّـماحَ . وقـُلـْتُ لـَها:
أعِدُك أنْ أصَحـِّحَ مَواقـِفي غدًا، وأنْ أعْـتـَـذرَ لـصَديقي سامحٍ ولأصْدقائي ، وأنْ أعيشَ حـَياةَ اسْـتـِـقـامـَة ٍوصِـدْقٍ.
ولـَمّا سَـمـِعـَتْ مـِنـْهُ المِـسـْـطـَرة ُ اعـْـتِـذارَهُ ابـْـتـَسـَـمـَتْ لـَهُ ، وقالـَتْ :
هذا حَـسـَـنٌ . كـُنْ مـِثـْـلي ، فأنـا أحـِبُّ الاسْـتـِـقـامـَـةَ .