بمناسبة اليوم العالمي للصّحّة, قرّرتُ ورفقة أصدقائي, سامي وسلمى وسليم, زيارة المرضى بمستشفى الجهة . فترانا نستعدُّ لهذه الزِّيارة أيَّما استعدادٍ : هاهوسامي يجمع الأزهار من حديقة منزله ليكوّن بها باقاتٍ جميلةً ، أمّا سلمى ففي المطبخِ منهمكة تعدُّ كعكةَ مرطّبات, وصديقنا سليم قد اشترى قارورة عطرٍ بعد أن طلبَ من والده, الذي يشتغل حلاّقا, بأن يرافقنا في زيارتنا . وفي اليوم الموعود ركبنا السيّارة والفرح يغمرنا والشّمسُ تحيينا .وما كدنا نصل المستشفى حتّى سألنا أحد الممرّضين أن يدلّنا على غرفة تجمّع بها مرضى مسنّون بعد أن أخبرناهُ بسبب الزّيارة فرحّب بمبادرتنا وقادنا إلى غرفةٍ في نهايةِ الرّواق .
فتحنا البابَ وألقينا التّحيّة فتناهت إلى أسماعنا كلمات متقطّعة وكأنّها تأتينا من وراء الجدران . وتقدّمت بنا خطواتُنا إلى الأسرّة وقد تلاشت عليها أجسام كانت أقرب إلى أن تكون جثثًا هامدةً لولا بعض الأنفاس المتراخية التّي تعلمك بأنّها لا تزال متمسّكة بالحياة . وبعدَ أن تعرَّفنا على هؤلاء المسنّين من خلال ملفّاتهم الطّبيّة المشدودة إلى أسرّتهم ،جلس كّلّ واحد منّا إلى شيخ مسنٍّ وأسندَهُ إلى صدرِهِ في رفقٍ وحنان وبدأ يحادثه . سألني العمّ صالح وهو في العقد التّاسع من العمر : من أكون؟ فعرّفته بنفسي وبأصدقائي وذكرت له سبب الزِّيارة . فبدت عليه علاماتُ الارتياح, وأخذ يدعو لنا بالنّجاح والفلاح .وتقدّم أبو سليم من العمِّ صالح يريد أن يحلقَ له رأسَهُ وذقنَهُ الذي تكاثَفَ شعرُهُ وَحَجَبَ ملامِحَهُ . العمّ صالح رغمَ تقدّمِهِ في السِّنِّ لم تأتِ السّنوات الطّويلة على ذاكرتِهِ ،فهو يروي لنا أخبارَهُ زمن الشَّباب والصّحّة بكلّ تفاصيل الحديث وجزئيّاتِهِ . أخبار لئن بدت في الزمن بعيدة جدّا عن يومنا هذا غير أنّها تظلّ حاضرةً بذهنِ العمِّ صالح حضورَ الحياةِ في جسدِهِ . فتلك الذكريات تزيد الحياة لسنين عمرِهِ . ولمّا فرغ السيّد أبو سليم من مهمّتِهِ تقدَّمَ سليم بعد أن ملأ راحتَيهِ عطرا وَمَسَحَ بهما رأس العمِّ صالح و وجهَهُ . فكمْ فرحَ العمّ صالح بذلك وكم تراهُ سعيدًا وهو يستنشق رائحة العطر ويتحسّس وجهَهُ . ولمّا جاءَ دور العم صالح تقدّمتْ منه سلمى لتضَعَ في يدِِهِ قطعةَ مرطّبات وهي تقول : - كلها بالشّفاء . لقد صنعتُها لكم بيدي ." تسلّمَ العمّ صالح قطعة المرطّبات بيد مرتعشة وفم مبتسم لم يكفّ عن الدّعاء لنا . ولمّا حان موعد نهاية الزّيارة وضع سامي باقةَ زهورٍ على كلّ طاولة كانت قريبةٍ من كلِّ سريرٍ وعليها أدوية .
وقبل الخروج طبع كلّ واحدٍ منّا قبلة على جبين كلّ مسنّ وودّعناهم بعد أن وَعَدْناهم بتكرار الزِّيارة , وودّعونا هم أيضا ولكن في نظراتِهم توسّل بأن نظلّ عندهم ولا نرحل ......... فلعلّ بقاءَنا معهم يزيد الحياةَ إلى سنينهم!
تعليقات الزوار
1 .
تألق وإبداع
رشاد قرفاله
التربية والتعليم فن....وزميلتي فاطمة فنانة ...ودوما متألقة ومبدعة بكتابتها وقربها من تلاميذها...
rached.jerbi@hotmail.com - 2012-04-15 22:35:27 - جربة تونس
2 .
كلنا على اختلاف أعمارنا نسعد باهتمام الآخر بنا .....وماذا يقول من تقدّمت بهم السنين
فاطمة حامدي
كثيرا ما يسعد المرء طفلا كان أم شابّا أو كهلا أن يسمع كلاما جميلا يرفع من معنويّاته أو أن يتسلّم هديّة تشعره بمدى منزلته عند الآخر وكم يسعده ذلك ...فبماذا نصف حالة من تقدّمت بهم السنّ و خذلتهم الصحّة في لحظة يحفّ بهم صبية يعطّرون الأجواء حولهم ..هؤلاء المسنّين هم آباؤنا وأجدادنا وعمومتنا وجيراننا .فنحن أمّة نهلت الرّحمة من حديث نبويّ شريف مأثور (ليس منا من لم يرحم صغيرنا ، و لم يوقر كبيرنا )