قفزت باسطة ذراعيها فوق حشائش الغابة المطيرة. حيث الكلّ يعيش متناغما مع الطّبيعة. الطّيور فى أعشاشها فوق الأشجار. والأسود ملوك الغابة ، تتجوّل تحفها الهيبة. والنمور والفهود والضباع يعبرون يروحون، ويجيئون، بين السّافانا الغنية والسّافانا الفقيرة، حيثما يكون الصَّيد وفيرا.
الزَّواحف ذات الدَّم البارد تنوم وتصحى فى جحورها، وبين الصُّخور، والشُّقوق. كلّ أحياء الغابة المطيرة يعزفون لحن الحياة . وسيطرة حب البقاء.
حتى الحشرات من عناكب وعقارب توازن قوى الطَّبيعة .
الصِّغار، والكبار ،الَّضخم ،والضَّعيف, الرِّيش والجلد والصُّوف, وكلّ المخلوقات تمارس قانونها وتستميت لتحيا .
تهرب وتطير وتتسلَّق وتختفى تحت الارض والحياة مستمرة، والشَّمس تغيب وتشرق, أشِّعتها تتسلل بين أوراق الشّجيرات لتعطى الطَّاقة التى قفزت بها الحرباء الخضراء.
وهى تختال بين الشّجيرات تلتهم بلسانها الطويل اللزج الحشرات الضالة التى يقودها تخبطها بالمرور من أمامها.كانت الحرباء مغرورة تجلس فوق ورق الشَّجر الأخضر متباهية بلونها الزَّاهى. عندما ينعكس ورق الشجر على صفحة المياه المنسابة من الأمطار التى تغسل وجه الغابة كلّ صباح مكوّنة النّهر.
تتباهى الحرباء، بلونها ورشاقتها، لذلك رفضت التَّزاوج مع أبناء جنسها. حتَّى كبرت وعزف عنها الذّكور، إذ كانت كثيرة المطالب، وشروطها قاسية. كانت تريد ذكرا يعلمها السِّباحة، لتعبر النهر الصغير، الذى تجلس كل صباح تشاهد ضفته الخضراء وتحلم بالعيش هناك تطلق العنان لمخيّلتها فترى نفسها فى ثوبها الأخضر متوجة ملكة للضفة الأخرى.
وسيدة لبني جنسها المتواضع الذى جلّ وقتهم يقفزون بين أوراق الشّجيرات، كما تراها دائمًا ضجرة من هذة الغابة التى ولدت بها وقفزت فى كل شجيراتها لذلك تريد الرحيل للضفة الاخرى لتنعم بحياةٍ أُخرى
ذات ليلة من الليالى المقمرة، وهى أرقة قد فارقها النوم. والغابة تعزف لحن المساء، من هسيس وعواء وزئير..سمعت صوت خطوات خفيفة، تمر من عندها, التفتت عسى أن تجد من يسامرها حتى تشرق الشمس ..راته بشكله القبيح ولونه الطّيني. ذكر الضفادع الذى يرفض دائما رفقة ابناء قبيلته ويرفض الإنتماء لها، الشهير يرى نفسه وسيمًا، يستحق زوجة جميلة ملونة لذلك كان يقتفي أثر الحرباء الخضراء، ويقدم نفسه. فترفضه مشمئزة من شكله وتعاليه على قبيلته.
لكنها اليوم قد حسمت أمرها، وحيته تحية المساء. وبادلته أحاديث الليل ،وطلبت منه أن يعلمها السباحة، فقد أصابها الملل من الغابة ،تريد أن تسبح فى مياه النهر.
إن علمها فسترضى به زوجا .
فرح ابوذنيبة ورقص رقصة النّصر. قفزتين ،وقفزة ومد ذراعيه الضعيفتين وضمها إليه. قفزت منه بعيدا فوق غصن الشجيرة، وزجرته قائلة بغضب: ينبغي لك أن تعلّمني السباحة أولا. فوافق فرحا . عندما مزق الصباح سترة الليل وانبثق الضوء. وانعكست الأشّعة الشّمسيّة على صفحة مياه النهر كان ابوذنيبه قد أخبر قبيلة الضفادع بزواجه الغير مسبوق. يريد ان يحسن نسله و يغير لونه الطيني وشكله القبيح . بزواجه من الحرباء الخضراء. تحسرن وبكين إناث الضفادع على هجرهن. وخشين أن يسن ابوذنيبة سنة جديدة فيهرب الذكور للتزاوج من الحربويات والزواحف الأخرى. وبذلك تتلاشى ملامح القبيلة وتذوب فى القبائل الجديدة.عاد ابوذنيبة وخلفه أهله ونظر مختالا.الى الحرباء القابعة على ورقة الشجيرة الخضراء ملوحة بيدها تمثل الخجل .وفى أعماقها خدعةـ عندما تتعلم السباحة وتنزل الماء سوف تهرب من ابوذنيبة للضفة الأخرى ــ ارتسمت ابتسامة الخبث على فمها ونظرت بنظرة تمثل الحب وهى تخدعه.
وهو فرح بلونها الأخضر الذى يلمع تحت أشعة الشمس. فتزداد إناث الضفادع حسرة وغيظا مكتوما، ينظرن اليها تتباهى فوق الغصن. أشار اليها بالقفز فى الماء فقفزت من شدة الفرح. فتغير لونها وصار مثل لون الماء وأختفت لم يرها لينقذها فصارت تصرخ تحت الماء فلم يسمعها كائن . سبحت كل الضفادع بحثا عن الحرباءالخضراء، ولم يجدوا لها أثر ،وأخيرا قذفتها مياه النهر فهرولت الضفادع وابوذنيبة يسابق الريح ويقفز أمامهم لتفقدها. ويالهول ماراوا إختفى اللون الأخضر الزاهى .وصارت بلون رمال وصخور الشاطى الترابية. فخجل ابوذنيبه والقى بجسده فى النهر سابحا للضفة الأخرى، هاربا من نقيق قبيلة الضفادع،الذى تردد صداه، حتى بلغ غابة الضفة الأخرى ، تقوقع وحيدا على الشاطى. مبتلا، أغمض عينيه ،وبكى نادما، تذكر نصيحة حكيم قبيلته:
ياابوذنيبة إن لون الحرباء بين أوراق الشجيرات يبدو أكثر أخضرارا، فلا تفارق قبيلتك طمعا، ولاتجرى خلف السراب. فلونها وهبه لها الله لتتخفى به من الأعداء، ويتغير بلون المكان. وليس أصيلا مثل لون أجسادنا .
سعاد محمود الأمين