تنهرُني حينَ أحاولُ تقليدَ أبى وهو يزأرُ ، تخشى على صوتي الذي يخرجُ مبحوحًا هزيلا ، تشجِّعُني على مطاردةِ الفرائس معها ....حتَّى أتعلَّمَ الصَّيدَ مبكرًا ، وعندما حاولتُ ذاتَ مرَّةٍ مطاردَةَ أحد الغزلانِ ، لمْ أسْلَمْ من قرونِ الوعلِ الذي جرؤ على إهانتي وغرسَ قرونَهُ في جسمي الصَّغير ، شعرتُ بضعفي وصغرِ سنِّي في تلك اللحظة ، ولمّا وصلتُ لأمِّي كنت ألهثُ بشدَّة ، إصطدمتُ بنظراتِها الغاضبة وقالت في غلظة :
- لن تكون ملكًا للغابة وأنت تتقنُ فنَّ الهروب !
في الصَّباحِ رفضتُ الذِّهابَ إلى المدرسةِ وتمرَّدْت على الأوامر وتسلَّلَتْ فكرةُ العصيان إلى رأسي ، ولما هدَّدَتْني بإبلاغ أبي ، تراجعتُ قليلا وخشيتُ بطشَ أبي وغضبَه وذهبتُ للمدرسة صاغرًا ، ولم أحاولْ قطعَ علاقتي بالثَّعلب أو الذِّئب رغم تحذيرات أمِّي المتكرِّرة ، فالثَّعلبُ في نظرِها مكَّارٌ ، والذئب من طبعِهِ الغدرُ والخداع ، وضرهما أقرب إلى من نفعهما .
اصطحباني إلى المدرسة وقفز الثعلب أمامي في خفَّةٍ قائلا :
- ما رأيكما في نزهةٍ بعيدةٍ عن الغابة ، كفانا رقابةً من الأهل .
قالَ الذِّئب مشجِّعا :
- ستكونُ نزهةً رائعةً، خاصَّة أنَّنا لن نخشى شيئا, ومعنا الشِّبلُ الشُّجاع، يدافع عنّا ويحمينا !
إستطرَدَ الثَّعلبُ في مكرٍ قائلا:
- بالطَّبع سوف يكون يومًا ما ملكًا للغابة ...,لن يتخلّى عنّا ونصبح أنا وأنت وزيريْهِ المقرَّبَين لقلبه !.
قال الذِّئب وهو يحاول إقناعي بفكرةِ تركِ المدرسةِ :
- لقد مللْنا من الذِّهاب إلى المدرسةِ كلَّ يوم...نفس الوجوه ...والقرد العجوز يحاول تعليمَنا أشياء كثيرة لا فائدةَ منها.
تردَّدْتُ قليلا قبل أن انطلقَ معهما نسابقُ الرِّيح ونلعب في حريَّة...مخلِّفين وراءَنا الغابة وقد أهملنا حقائبَنا وكتبنا وتركناها وسطَ الحشائش والأعشاب، ويبدو أنَّنا ابتعدنا كثيرًا عن الغابة حتَى لاح لنا من بعيد بعض من مباني المدينة وتسلَّلَت إلى أنوفُنا رائحةٌ غريبةٌ لم نألفْها من قبلُ وصاح الثَّعلب:
- هناك خطر ..يجبُ أنْ نبتعدَ من هنا....فهذهِ الرائحةُ تذكِّرني بالإنسان, ذلك المخلوق الذَّكي الذي يصطادنا كلما رأى احدنا !
لكن رغم هذا، تملكنا الجوع حتى أن الذئب بدأ يحمش الأرض بأظافره...ونسى الثعلب الخطر الذي يهدِّدُنا عندما لمح زوجا من الأرانب البريَّة, وهما يمرقان بعيدا، وشجَّعني على اصطيادِ أحدِهما كي يسدَّ بهِ رمقَهُ وقال:
- يا له من صيدٍ ثمينٍ !
نسيتُ حذري تماما، وطاردتُ الأرنب البرِّيَّ , وفى لحظات وَجَدْتني في شبكةِ الصَّياد ولا أثر لصديقي: الثَّعلب والذِّئب.
وقفت خلف قضبانِ القفصِ الحديديِّ بحديقةِ الحيوان فيما بعد ، بعد أن فقدت حرِّيَّتي وحرمتُ الحياةَ البرية في الغابة مع أبوايَ ...يهزُّني الشّوق كثيرا إليهما والى التريُّضِ بخفَّة في أرجاء الغابة الواسعة ، وزهدت في الحياة والطَّعام حتَّى هزل جسمي ولم ينفع الندم أبدا .