الملحّنُ الواعدُ, فارس خربوش, إلتحَقَ بجامعة هيدلبرج ليدرسَ اللغةَ الألمانيّة, وفي أجواءِ استقبالِ العامِ الجديدِ ساحَ الدّليلُ السّياحيُّ مع أسرةِ الحياة للأطفالِ في أرجاءِ المدينة Heidelberg
وعلى هضابِها المطلّةِ عليها, وعلى قلعتِها المطلّةِ عليها منَ الجهةِ الأخرى,
وقبلَ أنْ نسيحَ معًا يا أصدقائي في إحدى أجملِ وأهمِّ المدنِ الألمانيَّة, تعالوا بنا نتعَرّف على بعضِ أسرارِها الجميلة حتى نعي وندركُ معا:
لماذا يعتبرها الألمانُ عزيزةً وساكنةً في قلب قلوبهم!
في هذه المدينةِ أقيمتْ جامعتُها المميّزة Alte Universitat عام 1712 ميلادي, وهي الأولى في ألمانيا وقد تكون من أرقى الجامعات في العالم, وكانت وما زالت أقواها علميّا وخرّجت أعظم الأطباء والمهندسين والعلماء, الألمان منهم والأوروبيّين, وفيها تخرَّجَ المئاتُ من الإنكليز, لا بلْ لهذِهِ المعلومةِ قصّةٌ مثيرةٌ ومدهشةٌ للغاية!
ففي الحربِ العالميّة الثَّانية قََصَفَتِ الطّائرات الإنكليزيّة عشراتِ المدنِ الألمانيّةِ, وأبادتْ أجزاء كبيرة منها, وحينَ علمَ الطياّرون الإنكليز أنّ الهدفَ التّالي هو قصفُ مدينة هيدلبرج!!!
فكّرَ الضّباطُ وبعضُ الطيّارين وكانوا من خريجي جامعة هيدلبرج, فقد تأثّروا وتذكّروا سنواتِ حياتِهم العزيزة في الجامعةِ وفي المدينةِ الخلّابة بطبيعتها الغنّاء, عندها وقَّّعَ الألمانُ والإنكليزُ قبيل انتهاء الحربِ بقليلٍ, اتفاقيّةً تقضي بأن لا تُقصَفَ المدينة, فبقيَ الجسرُ القديمُ يعومُ فوق نهرِها, وبقيتِ القلعةُ الرّائعةُ القديمةُ كالهزبرِ تحرسُها, وبقيتِ الجامعةُ بكلّ أبنيتِها تصّدرُ العلومَ للعالمِ, وبقي قصرُ هيدلبرج والذي بنيَ قبلَ مئات السّنينَ وأعيد بناؤه عام 1693 عقدًا من الحجرِ الآسرِ في جمالِهِ في عنقِ المدينة!
واليوم يعتبر معظم سكّان المدينة من العلماء والاطبّاء والأغنياء! لدرجة يقول دليلنا السّياحي أنّ 70% من سكّان المدينة مليونيريون!
لا شأن لنا بالدّولارات ولا اليوروات وكلّ ما نتمنّاه وقتًا فوق جسر كارل تيودور الذي لم يتهدّم والذي بناهُ كارل تيودور الألماني عام 1786 بعدَ أن أزال الجسر الخشبي الذي أوقعَ بعض الحوادث في حينه!
وللطالب زنزانة!؟
هل تصدّقون!
وتسمّى Studentenkarzer
ففي القديمِ كان للجامعة قانونها الخاص بها, وسجنها الخاص بها, وكانت العقوبة المخصّصة للطلاب المُخالفين تتراوَحُ ما بين 3 و 4 أيَّام, كانَ خلالَها الطلاب يمضونَ الوقتَ في الرّسمِ على الجدرانِ, وشاهدنا هذهِ الرّسومات التي رسمتْ في الفترة بين 1778 و و1914,
فما رأيكم بفكرةِ السّجنِ في الجامعة؟
ولا أخفيكم سرّا بأني من عشّاق الفنّ في تشكيل الأسواق والدّكاكين, ولم أجد في حياتي حوانيت أنيقة ومثيرة للدّهشة بجمالها وذوقها الرّفيع وتخصّصها بمقتنياتها, مثل مدينة هيدلبرج!
ولا حاجة أن تشتروا شيئا بل اعطوا الفرصة للعينين كي تستمتع!
سأحدّثكم قليلا عن أجواء الاحتفال بالعام الجديد!
كلّ سكان المدينة والقطط السّاكنة في المدينة تخرج تحت المطر منذ الصّباح, وفي المساء تصبح جمهرة فوق الجسر وعلى ضفّتي النّهر!
والعيون متأمّلة صوب السّماء, فالنّاس تشعر أنّ العام الجديد سيطلّ من السّماء!
وإذ بالانوار والمفرقعات من كلّ حدب وصوب ودون هوادة وكأنّ المعركة لاستقبال العام الجديد قد انفجرت !
وتنفجر الآهات والسّلامات والعناق بين النّاس!
وفي صباح الغد الباكر!
أفقت من نومي وأطللت على الجسر العتيق وعلى شوارع المدينة!
وجدتها مثل المرآة لا غبار عليها, ولا آثار للاحتفال ولا القناني والمشروبات الكثيرة التي حملها العيد وحملها النّاس, ولا المحروقات المتبقية من المفرقعات!
ما هذا النظام؟
ما هذه النّظافة المدهشة؟
وعلى وقع موسيقا موتسارت وبتهوفن وَدَّعْنا وَوَدَّعَنا الملحّن الواعد,
الدّليل السّياحي,
الطالب الجامعي,
في جامعة هيدلبرج,
فارس خربوش,
على أمل اللقاء في حيفا في الصّيف القادم!