الفنّانة العراقيّة إنطلاق محمد علي

من كنوز الطّفولة العربيّة وأميرات الرّسم

يقدّم لها إضمامة فخر وورد ويقدّمها محمد بدارنه

خلال العقود الثّلاثة الماضية أغنت الرَّسّامة إنطلاق محمد علي 12 مجلة أطفال عربيّة و 43 كتابا و32 فيلما من أفلام الرّسوم المتحرّكة بلوحاتها المدهشة في جمالِها, وصارت انطلاق نجما يسطع في دنيا الطّفولة وعالم الكتب. لا بل فازت بتسع جوائز عالميّة وشاركت في أرجاء المعمورة بتشكيلات من فنّها. 

هيّا بنا نتجوّل في حدائق رسّامتنا ونشمّ العطرَ وهو يفوح من لوحاتها, فهذه الضّفدعة الأميرة تضطجع على سريرها, وتمخر عباب دجلة, وتوزّع الإبتسامات لكلّ الاطفال الذين أطلّوا يرحّبون بها !

بقليل من الألوان تنجح رسّامتنا في صناعة اللوحة الآسرة بجمالها!
من خلال أول غلافٍ ترسمه عام 1984م   

 

 

 

 

و من خلال الانترنت كان هذا اللقاء مع الرسّامة إنطلاق :

عّرفينا بطفولتك يا فنّانتنا!

وهل عشت طفولة تطفح بالفرح واللعب؟

 أفتخر بأنّي من عائلة عصاميَّة في كلِّ شيء, وابي حفظه الله إنسانٌ بدأ من الصِّفر وبفضل الرَّحمن بنى نفسَه بنفسِه, والان هو خبيرٌ في مجالِهِ ومبتكرٌ على مستوى العراق والدّول العربيَّة. تزوَّج بوالدتي وكنت طفلتَهم الأولى وبعد عام ولد أخي وما زال أبي طالبا في الجامعة يدرس في النَّهار ويعمل في الليل, وكان مجتهد جدا وشغوف بالقراءة والادب ويعشق الشعر ويشجعنا على القراءة الكثيرة وعلى حفظ القصائد الشِّعرية والقائها حتَّى أنّه كان يطلب منِّي أن احفظ الشِّعر, وأنا في عمر 9 سنوات على ما أذكر, فحفظت قصيدة للشاعر ابو فراس الحمداني لا زلت اذكر اولها

 أقُولُ وَقَدْ نَاحَتْ بِقُرْبي حمامَة    أيا جارتا هل تشعرين بحالي؟

 وكان أبي يحبُّ الرَّسم, ومن الاشياء التي أذكرها جيِّدا عندما رسم لي وكان عمري أربع سنوات بقلم الرصاص تفاحة جميلة جدّا, وذات مرّة رسم لنا بالباستيل على ورقة سوداء في ساعات الليل وفي المكان بيوت وأشجار تميل مع الرِّيح القويَّة, ورسم خطوط حركة الرِّيح, وكان لهذه اللوحة أثر كبير جدّا على حياتي الفنّيّة, وبقيت أحلم أن أحقِّق حلمي بالرَّسم مثل أبي على ورقة سوداء, فكانت أوّل تجربة في كتاب (مدينة الشَّمس) 1987وكانت بالألوان المائيَّة, وفي عام 1991 بدأت مشروعا مع صديقة عزيزة على قلبي, المخرجة السينمائية آمال البكري, كان يجمعنا عشقنا للسينما وكنا نشاهد معا اهم الافلام السينمائية العالمية ونقرا ما كتب عنها من نقد فنّي ونناقشها, وكنا نسجِّل أفكارنا وخواطرنا الشَّخصية , وفي يوم من الايام قلت لها: دعينا لا نجعل هذه الأفكار تطير في الهواء كالفقاعات, وتختفي, بل نعمل على تنفيذها، وبما أنَّنا لا نقدر عمل فلم سينمائي لعدم توفر الامكانيات المالية ولكن يمكنني أن أنفِّذ الفكرة في لوحات متتالية, كأنّها فريمات فلم سينمائي, وأن نقيم لها معرض بعنوان (لم تعد الافكار تشبه الفقاعات) وفعلا بدانا في العمل وكانت فكرة (الملك) لأمال البكري أوَّل عمل أنفِّذه على روق أسود بالاقلام الخشبية, وأحسست في وقتِها أنّي اقتربت من حلم الطفولة, واقيم المعرض في برلين 1995 ولم أتمكَّن من الحضور لأنَّه أقيم في زمن الحصار والعراقيون ممنوعون من السفر.

متى بدأت الرّسم وكيف طوّرت ذاتك بذاتك ووصلت إلى هذه الرّوعة من الرّسومات؟

البداية لا اذكرها ولكن منذ الصِّغر وانا أرسم وأرسم في كلِّ مكان، وعندما كنت أسأل ماذا سأكون في المستقبل يجيب الآخرون عنِّي ستكون رسّامة.

 يفرح الطِّفل حينَ يقرأ لوحاتك بالألوانِ الفرحة, وقد توزّعت بتوازنٍ مدروسٍ في اللوحة, وتراودني بعض الأسئلة : كم عراقيّة هي لوحاتك؟ وأقصد هل النّخيل والمساجد والزّخرف بالخطوط العربيّة والتّحليق في السّماء كما السّندباد وجمال الأطفال بوجوه ملؤها الثّقة بالنفس والأصالة , وأزياؤهم وألعابهم تعكس قسطا من العراق والعراقيّين؟

كوني رسامة توضيحيَّة فان أعمالي مرتبطة بالنُّصوص التي أرسمها فقد تكون هندية او من تركيا او رسويا او الخليج فكلٌ نصٍّ له اجواؤه وطيبعته...

 ولكن ان كانت مساحة الحريَّة في المادَّة المكتوبة كبيرة او قريبة من بلادي فانِّي اسعى جاهدة لان يكون الاسلوب عراقيا إخلاصا مني لمدرسة فريدة من نوعها في العالم بامتياز وهي مدرسة الفنان العراقي العملاق يحيى الواسطى, الذي تاثر بمدرسته الكثير من الفنانيين العراقيين كل باسلوبه الشخصي.

 كم ملوكيّة هي لوحاتك؟ لا تعرف الفقر ولا الجوع ولا المعاناة, بل تبرز الخير والخيرات, والفرح والأعياد!

 أتحفظ على كلمة (ملوكية) فاني لم أعرف هذا التَّفكير في حياتي منذ كنت طفلة ولليوم وأعيش مع الواقع واحب الناس البسطاء جدا واحب ايديهم الخشنة التي رسم عليها الزمان اخاديده..

 في كتاب (بلادي) وهو من تأليفي ورسومي والفائز بجائزة في اليابان عام 2000 في أسواء سنوات الحصار المقيت تحدثت فيه عن بلدي الحبيب العراق في تلك الفترة بالتَّحديد، وقد أثارت الفكرة والرُّسوم اهتمام الكثيرين وخاصَّة في الخارج. تحدَّثت فيه عن أهله الطيبين من شماله إلى جنوبه, زمن الجوع والقحط والقهر والظلم, وكيف أنّهم رغم كل تلك الظلمة كانوا جميلين منتجين متحابِّين مفكِّرين ومبدعين, ليس كما صورهم الإعلام في وقتها. وقد رسمت لوحات الكتاب على ورق اسود بمساحات ظاهرة لاعبر عن ظلام وظلم تلك الفترة.

ممكن ان ارسم الفقر والجوع والمعاناة ولكنِّي لا أرسم البؤس واليأس أبدا ولا أحب.

 اني عاشقة للعراق بكل مشاعري بلا تطرف لانه بلد له مكانه خاصَّة وقد اختاره الرَّحمن ليكون بلد الانبياء والاوصياء ... نعم لقد تاثرت جدا بتراثه بلادي وتاريخه الذي حمل اجمل واعمق ملحمة وهي ملحمة (كلكامش) التي لم يعرف العالم لها مثيل لانها الملحمة الوحيدة التي تقول (ان الخلود للعمل الصالح)... وهذا خلاف كل الملاحم العالمية.

 كم تهتمّين بملامح الوجه عامّة والعينين خاصّة حين تصوّرين الأطفال! وعلام؟

إني أتأثر بالملامح حين أشاهدها في الناس عموما. وقبل أن أرسم أستحضر طفولتي وأضيف لها خبرتي خلال هذه السنين الطِّوال, فأرسم من خلال تلك المشاعر والخبرة.

ولم اجد جزء في ملامح الوجه مؤثراً بقوة مثل العين سبحان الله .. وكانت وعين امي الحبيبة وجدي وخالي وخالاتي وكل أقرابي والجيران وأغلب العراقيين عيونهم كبيرة فكان من الطبيعي أن أرسم عيون كبيرة بارزة في لوحاتي لأنّ هذا ما عشته طوال حياتي.

هل يمكن للرسّام أن يثقّف الأطفال على قيم الفخر والاعتزاز بالنفس والثقة بالذات من خلال ملامح اللوحة؟

نعم مئة بالمئة .. اني الان لا ذكر نصوص كتب احببتها جدا في طفولتي ولكني اذكر لوحاتها بدقة وقد تركت في نفسي انطباعات كثيرة لا زالت اثارها لليوم، والاطفال بطبيعتهم في سنواتهم الاولى ميالين للرسم لانهم يعبرون من خلاله عن مكنون نفسهم, لذلك يكون للوحة الأثر الأكبر على شخصيَّتهم. وأجد أنَّ الدّور الأوّل يكون للرَّسم فيما يريد الكتاب إيصاله للاخر...

 برأي الشخصي اجد ان الرسم اخطر على الطفل من النص لانه مرتبط بالعين والعقل الباطني وهنا تكمن الخطورة فيجب ان ننتبه لاعمالنا وما نقدمه لاننا نزرع في ارض خصبة جداً ونحن مسؤلون عما نزرع أمام الله أوّلا والعالم ثانيا.

ما هي رسائلك الفنيّة والتربويّة التي تهمسين بها للأطفال من خلال لوحاتك؟

الأمل والأمل دائما, والنَّظر للمستقبل بنظرة مشرقة بعين واثقة وموقنة بأنَّ الخير ثمرة أعمالنا الجميلة وأن يكون الإنسان معطاء... واتمنى ان اكون سببا ايجابيا للنهوض بمستوى الذوق الفنِّي والحسِّي لديهم لذلك أجتهد في تقديم كلّ جديد, وأحاول طرق أبواب لم تُطرقْ من قبل, وأن أرسم باساليب وتقنيات مختلفة, وأصوِّر الأشياء كأنَّها قادمة من عالم الخيال, حتّى لا يعيش الطفل (التقليدية) في فكرِهِ وطباعِهِ وذوقِهِ وحياتِهِ فيتحجَّم، وينسى أنَّه قادم من عالم الخيال الذي هو مصدر الطَّاقة لحياتنا الواقعيَّة، وبذات الوقت أعيده إلى جذوره وإلى تاريخه وتراثه لأن من لا جذور له لا حياة له ولا مستقبل... وكما أحاول الربط بين الجذور والحداثة التي يعيشها فلا ينفصل عن اي منهما تماماً.

 ما رأيك في فن الكاريكاتير للأطفال والسّاخر منها بشكل خاص؟ وهل روح الدّعابة والمرح والنّظرات السّاخرة والحيلة والدّهاء والخيال العجيب يبحث عنها الطفل دائما؟

المهم كيف ستكون طريقة طرح الافكار وتنفيذها فهذا سلاح ذو حدين ونرى ان توم أند جيري من هذا النوع لكنَّه هدَّام في كلِّ شيء, وكم عانى منه الآباء والأمّهات, حتَّى في أمريكا نفسها, لما يعكسه من سلبيَّات على أطفالهم.

لوحات كتاب (بلادي)