نوران اسمٌ يليقُ بها
وبما تمتلكه من نور
يضيء وجهيَّ القمر حينما يفتقدُ البدرُ!
نوران لم تحمل الاسم صدفةً!

بل إنّ النّور الذي تحمله في فؤادها والنّور الذي توزّعه من خلال ابتساماتها اللؤلؤيَّة يعوّضها كثيرا ممَّا زار عينها اليمنى من كسلٍ, فاضطرّت لزيارة طبيب العيون منذ سنوات خلت وحتّى يومنا هذا, عساها تحفّز عينها الكسولة لتصبح نشيطةً مواظبةً مجتهدةً
مثل صاحبتها في مدرستها وحياتها!
وفي ذات المكان, عند عيادة الطّبيب, نزل ملاك الإبداع والخيال على نوران فكتبت القصّة التّالية وعنوانها :
بماذا يفكرون؟
قصة: للأديبة الواعدة نوران ملكاوي-الأردن

أنظر حولي وأتتبع وجوههم، أعمارهم مختلفة لا كلمات في هذا المشهد ولا حديث، الصَّمت ينتشر في المكان..الكلمات هنا أصبحت فائضة عن حاجتهم، يقفز طفل من جانب أمِّه محتجاً، تتبعه بعينيك وتلاحق تحركاته...
طفل آخر يجلس بحضن أبيه, ولا يستطيع الأب حضنه جيِّدا، أتدرون؟
الآباء متشابهون!
في كل مكان لا يتقنون الإمساكَ بأبناءهم، ونظرة الحنان والخوف في عيونهم، الأب في هذا المشهد هو من يفكِّر بطفله.
طفل آخر يبكي لماذا؟
بنت مشاكسة لا تستطيع أن تبقى بمكان واحد، عرف الجميع اسمها، آلاء،
عمرها أربع سنوات جاءت

وجلست بجانبي وبدأت تسال مثل الكبار (أنت شو مالك؟ أنا ابن عمي ضربني بالخشبه على عيني وعملت عمليتين لأنو كانت القرنية رح تروح ولو راحت ركبوا لي عين زجاج؟)
استغربت وسالتها: شو القرنية؟
أجابت: إشي مدور مثل الطابه وعليه العدسه بس يصير بالعين بكون مثلَّث؟
مرة تهمس بأذني لأنَّ أمَّها تنظر لها لتهدأ ومرَّة تعلي صوتها.. تريد معرفة لماذا أنا هنا؟ حان دورها فذهبت.. وتوقَّف تفكير الجالسين وركَّزوا بما تقوله آلاء الشَّقيَّة.
طفل يلبس نظارة ويسرح بعيدا.
طفل آخر يجلس خائفا وحزينا.
الكلُّ ينظر إلى بعضه البعض ويتساءلُون عن قصَّة كلِّ واحد منهم.
بنت تبكي تريد ترك المكان!
وبنت لا تريد وضع القطرة والممرِّضة تحاول إقناعها.
أم تتأفّف وتقول لابنتها أن تسكت وتجلس بدون حركة.
يفركون أصابعهم وهم ينتظرون، ينظرون إلى السَّاعة عشرات المرَّات، يضعون أيديهم على رؤسهم وكأن رؤوسهم تؤلمهم.. بانتظار أن تسمع اسمك.
أطفال صغار يوزعون ابتساماتهم هنا وهناك.
موبايل يرنُّ ويتمُّ إغلاقه.. وآخر يرنُّ، نلتفت ونستمع للحديث دون قصد.
كنت أتابع وأفكر بما يفكرون: حتما بعضهم يفكر ماذا سيقول لهم الطَّبيب، وآخر يفكِّر هل سيكفي ما معي من نقود للعلاج، وطفل آخر يفكر هل سيغير لي النَّظارة؟ هل سيوصي بإجراء عمليَّة؟ هل سيقول: كفى لا تغطِّي العين فقد أصبحت بخير؟ بعضهم كان يفكِّر بأن هناك أشخاصا دخلوا قبله رغم أنهم جاءوا بعده.
أما أنا فهل تدرون بماذا كنت أفكِّر؟

ماذا لو جاء أحدهم ممَّن يحبُّون الأطفال, وأسقط مفاتيحه عمدا في العيادة, حيث الأطفال موجودون، وتظاهر أن مفاتيحه سقطت منه، هل سيلحقونه وهم يقولون : "عمُّو مفاتيحك، مفاتيحك، ويسقطها مرَّة ثانية بطريقة توحي أنها سقطت دون قصد، هل سيبتسم الأطفال ابتسامة خجوله، هل سيضحكون هل ستتحول الدنيا إلى ضحكات في عيادة طبيب العيون؟
..
أنا لم أرغب بالضحك هناك، كنت أفكِّر بعينيّ وماذا سيقول الطَّبيب لهما؟
هل ستخرجان وهما تضحكان؟