قصّة بقلم ديما سحويل
في أعالي البحارِ سفينةٌ كبيرةٌ يقودُها قبطانٌ شجاعٌ ويساعدُهُ عشرون بحّارًا.
على أشرعَةِ السَّفينةِ تقفُ النَّوارس التي تساعِدُ القُبطانَ في استقبالِ الأطفالِ الذين يأخذُهُم كلّ عامٍ من شواطئِ بلدانِهم ليجوبَ بهم بلدانَ العالمِ في رحلةٍ جميلة.
سيكونُ هذا العام مختلفاً عن كلِّ عام لأنَّ فيهِ كرنفال الدَّلافين
والذي يقامُ مرّة كلَّ عشر سنين.
وقرَّرَ القبطانُ والبحَّارةُ أن يخترقوا أيضاً الشَّاطئ المحاصَرَ
في وطن الأحلام كي يستضيفوا طفلاً من هناك .
لدى القبطانِ بوصلةٌ وخريطةٌ كبيرتان يستدِلُّ من خلالهما على شواطئ البلدان.
كلُّ طفلٍ يصعدُ إلى السَّفينة يغنِّي مع الأطفال قصيدَةً كتَبَها القبطانُ
على ريشةٍ أهداهُ إيَّاها كبيرُ طيورِ النّورس.
شمسٌ ترسمُ بحراً
غيمةٌ تغزلُ نَخلَة
طيرٌ ينثرُ عطرا
طفل يرقُصُ فرحاً
فرسٌ يصهلُ حُراً
طفلٌ يغزلُ لحناً
لحنٌ يرسمُ وطناً
وطنٌ يحضنُ أهلا
البلدانُ كثيرةٌ والرِّحلة طويلةٌ وممتعةٌ. سيمُرُّ القبطانُ مع الأطفال بالمضائقَ والخلجانِ وسيقطعونَ البحارَ والمحيطاتِ ليصلوا إلى منطقة الكرنفال, حيث سترقُصُ الدَّلافين على غِنائهم.
نظرَ القبطانُ إلى الخريطة وَمَرَّ بأصبعه الكبيرِ على جميعِ المناطقَ,
وقالَ لمساعديه البحَّارة:
لقد جَمَعْنا كلَّ الأطفال ولم يبقَ سوى الذِّهاب إلى شاطئ وطن الأحلام ,
وجلبِ ابنِ الصَّيادِ الذي ينتظرنا عند قاربِ والدِهِ.
إنطلقَ القبطانُ بالسَّفينةِ والأطفالُ يلوحون بريشِ النّورس باتِّجاه الشَّاطئِ المحاصَرِ.
ظَنَّ القُبطانُ أنَّ سفينتََهُ ستعبُرُ لاصطحابِ الطِّفل ولكنَّ المَدافعَ كانت موجَّهَةً باتِّجاهِهم, وأُمِرَ عبرَ مكبِّرات الصَّوت بالابتعادِ عن المنطقة، وباءَتْ كلُّ محاولاتِ القبطانِ بالفشلِ بالوصولِ إلى الطِّفل. وفي محاولةٍ أخيرةٍ طلبَ القبطانُ من الأطفال أن يغنُّوا القصيدةَ بأعلى صوتِهم عسى أن تحوِّلَ فوَّهاتُ المدافع اتِّجاهَها ويتسنّى للسّفينةِ الوصولَ إلى شاطئ البحر, نعم في وطنَِ الأحلام.
غنَّى الأطفالُ طويلاً ولكنْ دونَ جدوى وظلَّ التَّحذيرُ مستمرّاً عبرَ مكبِّرات الصَّوتِ وتقدَّمَتِ السُّفُنُ الحربيَّة باتِّجاه سفينتِهِ.
عندها تراجَعَ القبطانُ خوفاً على الأطفال وقَرَّرَ إكمالَ الرّحلةِ نحوَ الكرنفال ، ولكنَّ الحزنَ غمرَ الأطفالَ, وظلّوا يشخصون بأنظارِهم نحو صديقِهم الذي كان يلوح لهم بيدِهِ.
طلبَ الأطفالُ من القبطانِ أن يحاولَ مرَّةً أخرى العودةَ إلى الشَّاطئ. ظلَّ القبطان محتارا، وفجأةً شاهدوا صديقَهم يركبُ بالقاربِ مع والدِهِ ويحاول اللِّحاقَ بهم, وكادَ أن يصلَ إلا أنَّ مجموعة من الزَّوارق الحربيّة حالتْ دونَ وصولِهِ وعادَ إلى الشاطئ خائب الأملِ حزيناً.
حزنَ الأطفالُ على حال صديقِهِم ومضى بهم القبطانُ على مضضٍ نحو منطقة الكرنفال, فهناك وعدٌ قَطعَهُ على نفسِهِ لأصدقائه الدَّلافين بأن يشاركَها الصِّغار بالغناء.
عندما رأتِ الدَّلافينُ سفينةَ صديقهم القبطان بدأت بالرَّقص معلنةً عن بدء الكرنفال ولكنَّها لم تسمع غناءً ...
تساءَلتِ الدلافينُ عن الأمرِ, ولماذا لا يغنِّي الأطفال كعادتِهم؟
فقالَ القبطان: إنَّ الصِّغار لا يغنّون لأنَّهم حزينون على صديقهم من وطن الأحلام الذي ينتظر على الشَّاطئ المحاصر هناك ولم يتمكَّن من إحضارِهِ بسببِ الحصار.
فقالتِ الدَّلافينُ: ولكن أيّها القبطان أنتَ بحارٌ شجاعٌ ألم تتمكَّنْ من اختراقِ الحصار؟
فَرَدَّ عليها القبطانُ قائلاً: أنتم يا أصدقائي تعلمون أنِّي لا أهابُ الموتَ , ولكن ما ذنبُ الصِّغار الذين يحلمون بالغناء والحياة والسَّلام؟
عندها أطلقت الدَّلافينُ صفيرًا مدويّا يعبِّرُ عن حالةِ الحزنِ على ذلك الطفل الذي ينتظرُ عند الشّاطئ المحاصر.
فقالت الدَّلافين إذن لن يغنِّي الأطفال، ولن نرقص ثانية، لكنَّنا لن نستسلم ولابدَّ من إيجاد طريقة لإحضار صديقِنا من هناك.
فحذَّرهم القبطانُ من أنَّ الاقترابَ من الشَّاطئ يعني التعرُّضَ للخطر، ولكن الدَّلافين غاصَت في أعماق البحار وعادَتْ من جديد وقالت: لقد وجدنا طريقة لإحضار الطِّفل !!
فتساءَلَ القبطانُ والأطفال : كيف ذلكَ والمدافع خطرٌ على حياتكم وحياة الطِّفل؟
فأجابتِ الدَّلافين: سيذهب ثلاثة منَّا تجيدُ لعب كرة السَّلَّة إلى الشَّاطئ. فتعجَّبَ الأطفال قائلين: وهل تستطيع الدَّلافين لعبَ كرةِ السَّلَّة!
فردَّ القبطان: نعم, الدَّلافين تجيدُ لعبَ كرةِ السّلة وفنونَ الباليه أيضاً.
تَعَجَّبَ الأطفالُ من مهاراتِ الدَّلافين وظلُّوا ينصتونَ إلى خطَّة الدَّلافين الذَّكيَّة.
سنتلقَّفه من الشَّاطئ ونقذفُ بِهِ إلى السَّفينة, وما عليك أيُّها القبطان إلا الاقترابَ من أقرب نقطة. أمَّا أنتم أيُّها الصِّغار لابدَّ أن تنسجوا سلَّة كبيرة من الطَّحالب لتتلقفوا صديقكم .
طلب القبطان من الأطفال أن يتعاونوا على جمع الطَّحالبَ البَحريَّة من الأعماق، كي يستطيعوا إحضار صديقهم من الشَّاطئ المحاصر.
وبدأتْ رحلةُ القبطانِ والبحَّارةِ والأطفالِ في أعماق البحار لجمع الطَّحالبَ والدَّلافين تقودُهم إلى أماكن تواجدها .
غاص الأطفال ودخلوا كهوفاً في أعماق البحار وجمعوا الطَّحالبَ وصعدوا إلى سطح السَّفينة وبدأوا ينسجون سلَّة كبيرة.
وَسارَ القبطانُ بسفينتِهِ نحو الشَّاطئ المحاصر وكانت الدّلافين الثَّلاثة تتبعه.
توقَّفَ القبطانُ عندَ منطقة بعيدة عن المدافع ، وأطلق صافرة قويَّة ليلتفتَ لها الطِّفل ، أمَّا الدَّلافين فقد اجتازتِ المياهَ، واختبأتْ بين الأمواج. بعد ذلك حملت الطِّفل وأخذت تدحرجُهُ كما الكرة عبر سهول البحر.
أمسك الأطفال بالسَّلَّة الكبيرة التي صنعوها ,وعلى عجل قبل أن توجِّه المدافع فوَّهتَها نحو الدَّلافين ألقت بالطِّفل باتِّجاه السَّفينةِ فسقطَ في سلَّة الأطفال الكبيرة.
إستقبلَ القبطانُ ورفاقُهُ الصِّغارُ الطّفلَ بحفاوةٍ, وكانوا سعداء جدّا بنجاح الخطَّة. كان الطِّفل مدهوشا ولا يكادُ يصدِّق ما حَصَلَ. بعد ذلك طلب القبطان منه مشاركَةَ الصِّغار في الغناء.
غنَّى جميعُ الأطفال مع القبطانِ وَصَدَحتْ أصواتُهم في أعماق البحار وحدود السَّماء، فرقصت الدَّلافين وبدأ الكرنفال الجميل بمشاركة جميع الأطفال من أنحاء العالم وكل أنواع الحيوانات البحريَّة.
إستمرَّ الكرنفال الرَّاقصُ عشرة أيَّام, وبانتهائهِ انتهتِ الرِّحلة،
وصار على القبطان أن يعيدَ كلَّ طفل إلى بلده.
نظرَ القبطان إلى كبيرِ طيورِ النّورسِ وطلب منه رؤية فيما إذا كان الحصارُ قد انتهى على الشَّاطئ؟
فعاد النّورس بعد مدَّةٍ وجيزةٍ وقال حزيناً : إنَّ الحصارَ لا يزال قائماً
ولا تزال المدافعُ موجودةً أيضاً.
إلتفتَ الأطفال إلى صديقِهم ودموع الفرحِ والوداعِ في العيونِ تتلألأُ , ودعا كلُّ واحدٍ منهم الطّفلَ إلى بلدِهِ لحين انتهاء الحصار.
لكنَّ الطفل ردَّ قائلاً: بلدي جميلة , فيها مدرستي وبيتي وأصدقائي ومركبُ صيدِ أبي. لابدَّ أن أعودَ وأن كانت بلدي محاصرة.
عَرَفَ الأطفالُ ما عليهم عمله .
أطلقوا صفيرًا للدَّلافين الثَّلاثة, فحملت الدَّلافين الطِّفلَ, وعندما اقتربت بِهِ إلى الشَّاطئ بين المدافع والزَّوارق الحربيَّة, أغمض عينيه وَرَدَّدَ :
شمسٌ ترسمُ بحراً
غيمةٌ تغزلُ نَخلَة
طيرٌ ينثرُ عطرا
طفل يرقُصُ فرحاً
فرسٌ يصهلُ حُراً
طفلٌ يغزلُ لحناً
لحنٌ يرسمُ وطناً
وطنٌ يحضنُ أهلا
فوجَدَ نفسَهُ في شبكةِ الصَّيد عند قارب أبيه الذي كان بانتظارِهِ، وفي المنزل كان الجميع في استقباله: أخوته وأصدقاؤه, فحكى لهم ما جرى له وبعد ذلك احتفل الجميع بعودتِه سالماً.
الأديبة الفلسطينيّة ديما سحويل:
كلُّ طفل صغير يزرع في مخيِّلتي أملا للكتابة.
وأهدي الحياةَ للأطفال قصّةَ:
عندما توقّفتِ الدّلافينُ عنِ الرّقص.
في قلبِ أديبتنا يسكنُ أطفالُ العالمِ, ولكنّ الأطفال الذينَ يعيشون معاناة الحروب وسجون الحصار وتوتّرات الاحتلال يلقونَ في قلبها صدرَ الفؤادِ وقلبًا يرقّ لهم وبهم.
الفلسطينيّة ديمة سحويل من مواليد 21-3-1974 الكويت-ومن سكَّان مدينة رام الله, وتنحدر من قرية عبوين قضاء رام الله.
تعيش ديمة في هذه الأيّام في برلين - ألمانيا,
متزوِّجة ولديها ابنة اسمها كرمل وتقرأ لها كل يوم حكاية .
بدأت ديمة بتكوين حكاياها من خلال رسوماتها منذ الصِّغر أيام المدرسة الإبتدائيّة.
نشرت أوّل قصصها في صحيفة فلسطينة اسمها اتجاه.
ونشرت مؤسسة تامر للتعليم المجتمعي برام الله قصة الأمير والعجوز الحكيم سنة 2006 . رسومات سامر عوض
مفتاح نجاح أديبتنا ديمة بدأ بقصة إيمان والطَّائرة الورقيَّة التي نشرت سنة 2008, رسومات ديما ابو الحاج .
سافرت الأديبة ديمة من خلال تلك القصَّة إلى مهرجان صفاقس لكتاب الطفل 2007 , وهناك تعرَّفت على النَّاشر فراس الجهماني صاحب دار أطفالنا للنشر من الجزائر.
قامت دار أطفالنا للنشر بنشر سلسلة الطفل العربي
سنة 2009 تضم
-الفلاح والكنز
- ملك البحر
- يوميات أطفال تحت الاحتلال
-رطب النهرين
- تحت البيت
رسومات الفنانة الجزائرية لويزة حسين ,
سنة 2008 قامت دار أوغاريت للنشر رام الله بنشر قصة رحلة السلطان .
سنة 2008 حصلت ديمة على المرتبة الثَّالثة من مهرجان العودة الذي ينظمه مركز بديل, وتم نشر قصَّة علبة ألوان من قبل مركز بديل للنشر .
للأديبة ديمةأربع قصص تحت النَّشر :
لولو والنَّحلة ،غسَّان وقطعةالحلوى،رزان والفنجان ، أرجوحة الشمس.
وستتمُّ ترجمتها للغة الفرنسية .
2008-2009 قامت ديمة بنشاط أدبيّ مع بنات مدرسة كفر عقب بقراءة قصة إيمان والطائرة الورقيَّة وعلبة ألوان وقامت الفتيات بإعادة رسم القصص .
2010 حصلت ديمةعن قصة إيمان والطَّائرة الورقيَّة على مرتبة الشَّرف من قبل مجلس أدب الاطفال العالمي.
2010 تم ترشيح قصَّة "عندما توقفت الدّلافين عن الرَّقص" للمشاركة بمشروع قصص عن السَّلام تم ترجمة وطباعة القصَّة باللّغة الانجليزيّة, وكانت المشاركة بجزيرة نامي بكوريا .بذلت السَّيِّدة جهان الحلو, المدير التنفيذي لمجلس أدب الاطفال فرع فلسطين, مجهودا كبيرا لخروج تلك القصّة إلى النُّور .
وهي من رسومات المبدع محمد عمواس
وترغب ديمة أن تشكر كلّا من الدُّكتور شريف كناعنه وسونيا نمر ماري فاشا وأوليفيا قندح ومحمود شقير وكل من ساهم بوضع ملاحظات ومناقشات لتولد هذه القصَّة وتطبع بكوريا مع 22 قصة من كل دول العالم .