قِصَّة العدد بقلم: محمد بدارنه
في ليلَةٍ جميلةٍ مُقْمِرَةٍ، كانَتِ البَطَّةُ بُطْبُطْ تستعِدُّ لاستقبالِ أصدقائها وأحبائها، للإحتفالِ بِعيدِ ميلادِها الخامِسِ. وَتَحْتَ شَجرةِ التُّفاح، على مقربَةٍ من عينِ القرية، فَرَشَتْ بُطْبُطْ الحَصِيرةَ والفِراشَ، وَجلسَتْ فَرِحةً تنتظِرُ ضيوفَها.
وَصَلَ الحمارُ أبو صابر، وعلى غيرِ عادتِهِ، رافعًا رأسَهُ، مختالًا في مشيتِهِ ويغنِّي بأعلى صوتِهِ المُنْكَرِ:
"حَاحَا حَاحَا وْحَاحَه
رِيحتِكْ يا بطَّة فوَّاحَه
جيتك يا بُطْبُطْ حاحَه
سَهرتنا الليلة بالرّاحَه
لَرْميلِك حالي مْنِ العالي
بَحِبِّكْ يا بُطْبُطْ بصَرَاحَه"
فَرِحَتْ بُطْبُطْ بِقُدومِ الحِمَار وإطلالتِهِ، شدَّتْ عضلاتِها، طارَتْ وحطَّت على ظهرِهِ، وقبَّلَتْهُ على وَجْنَتَيْهِ. خَجِلَ الحمار كثيرًا، وَصَارَ وَجْهُهُ أحْمَرَ بِِلونِ البنادورَة.
بينمَا هُما على هذِهِ الحَال، إذْ بالدِّيكِ الملوّنِ كوكوريكو, وَالوَزّةُ السَّمينَةُ كاتاكاتي, يقودانِ موكِبَ الأصدِقاء: جوجو الجملَ الصَّبورَ، نُطنُط القطَّةَ المخَطَّطَةَ، كُلكُل الكلبَ الصَّغيرَ, وَفُتْفُتْ الفَأرَ السَّمينَ. حَيَّتْ بُطْبُطْ كلَّ الأصْدقاء، شَكَرَتْهُم على هَدايَاهُم الجميلة، رَحَّبَتْ بِهِم أجمَلَ تَرحيبٍ، وَدَعَتْهُم إلى الإحتفالِ بعيدِها، تَحتَ شَجَرَةِ التُّفاح وعلى ضوءِ القمرِ.
رَقَصَ الجميعُ،, دبكوا الدَّبكة الشَّعبيَّة, وغنُّوا لبُطْبُطْ:
سنة حلوة يا جميلَة
سنة حلوة يا طويلة
سنة حلوة يا هبيلة
سنة حلوة يا بُطْبُطْ
ضَحِكَ الجميعُ وَضَحِكَ القَمَرُ. وَقَفَتْ بُطْبُطْ تلقِي كَلِمَةَ شُكْرٍ في الحفلِ الكريمِ وَقَالَتْ: لم أحَضِّرْ لكمْ كَعْكَة العيدِ يا أحبَّتِي. لكنَّنا سَنَتَمَتَّعُ جميعًا,ومعًا في أكلِ حبَّة التُّفَّاح الحمراء اللذيذة، ها هيَ تبتسِمُ فَوْقَ رؤوسِكم، هيّا نتعاوَنُ معًا، نبني هَرَماً قاعدتُهُ الحمارُ أبو صابر، ورأسُهُ الفأرُ السَّمينُ فُتفُتْ. وَفُتْفُتْ يا أصدقائي بارِعٌ في القَضْمِ، سيلتقِطُ الحبَّةَ بِأسْنانِهِ، يُسقطُها علينا بالتَّسَاوي، وَنَلتَهِمُها طازجَةً لذيذَةً.
وفي هذِهِ الأثناء، حامَ الغُرابُ فَوْقَ شَجَرَةِ التُّفَّاح. سمعَ ما قصَّتْهُ بُطْبُطْ على أصْدقائها، وَقرَّرَ أن يُدبِّرَ حيلةَ ذكيَّةً، فيسرق منهم حبَّةَ التُّفَّاح. طارَ إلى صديقِهِ القنفذِ وَخاطَبَهُ: أسرِعْ أسرِعْ يا قفقف، سوفَ نسرقُ حبَّةَ التفاحِ الحمراءَ قبلَ أنْ يقطفَها فتفت وأصْدقاؤه. وَسألَ القنفذُ الغرابَ: لكنْ كيفَ ذلك يا تُرى؟ صاحَ الغرابُ: أنتَ يا أبا الأشواكِ الحادَّةِ، قِفْ مستعدّا تَحْتَ حبَّةِ التُّفاحِ، أما أنا فسأطيرُ فوقَ الشّجرةِ وأنقُرُ الحبَّةَ من عُنُقِها، وحتمًا ستسقُطُ فَتعلق في أشواكِكَ الحادّةِ، عندَها تَهرُبُ جانبًا بينَ الصُّخورِ، وَسَألقاكَ هناك مرَّةً أخرى ونلتهمُها معًا. هيّا!
أسرَعَ القنفذُ وأطاعَ أوامرَ صديقَهُ الغرابَ، وَعلى غَفلَةٍ من المحتفلين، إنقَضَّ الغُرابُ على حبَّة التُّفاح وَقضَمها، وفعلًا سَقطََتْ وَغَرَزَتْ في أشواك قفقف، الذي سرعان ما بدأ يركضُ بينَ الصُّخور.
ذُهلَ الحفل الكريم بِما جَرَى، حزنَتْ بُطْبُطْ، سَقَطَ الدَّمْعُ غزيرًاعلى وَجْنتيْها، حَزِنَ القَمَرُ وَشَحُبَ لونُهُ، ولمْ تمْضِ ثوان معدودَةٌ، حتَّى انطلَقَ الحمارُ أبو صابر، والكلبُ الصَّغير كُلْكُلْ، والفأرُ السَّمينُ فتفت، والدِّيك كوكوريكو، والوَزَّةُ كاتاكاتي، والجملُ جوجو، والقطة نُطْنُطْ
صَوب القُنفُذ . أحاطُوهُ منْ كلِّ الجِهاتِ، قبضُوا عليْهِ، إنتزعُوا حبَّةَ التُّفاحِ الحمراءَ من أشواكِهِ، وَبَّخوهُ وعاتبوهُ على تصرُّفِهِ المُخْزي، خجِلَ قُفْقُفْ من نفسِهِ كثيرًا، إنْكمَشَ جِسْمُهُ وتقلَّصَ حَجْمُهُ. وَمِنْ شدّةِ خِزْيِهِ على نفسِهِ أصبَحَ مُستديرًا كالطَّابةِ، وَوَضَعَ رأسَهُ في التُّراب نادمًا على صنيعِهِ.
وعادَ الأحبّةُ يغنّونَ وَيرْقُصونَ وَالقََمَرُ يلوحُ لهم بمنديلهِ.