- إنَّه هنا, (بصوتٍ أعلى)
- ربَّما هناك
- سأنتقمُ منهُ.
- سأحضر السُمّ غداً.
وفي اليوم التّالي حين عدت كان البيتُ عبارة عن حقل للألغام , ينتشر السّمّ في كل مكان. هنا مصيدة، هناك قطعة جبن سامّة، وصحون لاصقة، والفأر مختبئ....
في الليل عادَ صوتُ الفأر من جديد. قرَّرْت هذِهِ المرَّة أنْ لا أفتن عليه ربَّما كان يرغب في صداقتي, فهوَ يظهر حين يشعر أن الكلَّ قد نام سواي.. أو ربَّما شَعَرَ بأمنٍ لأنَّني لم اشتمْهُ ولم أهدِّدْ بقتلِهِ ولم أزرعْ في بيتنا أيَّ لغم...
بدأت أتخيَّل مشاعرَ هذا الفأر. ما ذنبُهُ. إنَّه خلق هكذا وما ذنبه أنه وَجَدَ بيتنا مأوى لَهُ، مسكنا ومطعما. ربَّما اعتقد أن بيتَنا من حقِّه وأنَّنا دُخلاء عليهِ. أبتسِمُ وأنا أتخيَّل شكلَ الفأرِ وهو يخطِّط لطردِنا من المنزِل كَمَا خطّطَ آخرون من قبلهِ, ونحن نخطِّط لقتلِهِ، أو ربَّما يعمَلُ الفأرُ الآن على جمع أوراق اللجوء لاصدقائه وعائلته الفئران الذين لا مأوى لهم..
إتَّسَعَ فمي بالابتسام وأنا اتخيَّله يحضرُ مَصْيدَةً كبيرةً بحجمِ أخي, وصحنا لاصقا كبيرا بحجم أختي. أعتقد , ربّما, أنَّ من حقِّه ذلك فلَه أنْ يدافع عن نفسِهِ وهو يستمع وَيَرى كلَّ يوم آلاتِ القتل وَيَرَى الموتَ في كلِّ ظهور له..
أعتقد أنَّ الفأرَ يحمدُ الله على أحجامِنا الكبيرةِ التي لا تسمح لنا بالانزلاق داخلَ أماكنِهِ الصَّغيرة والإمساكِ به. المثير أنَّ كلَّ أدوات القتل البشريَّة لم تفلح في قتلِهِ أو حتَّى أسرِهِ. يبدو أن هذا الفَأر شَديد الذَّكاء، بِتْنا لا نََرَاهُ لكننا نرى أثرَهُ فإذا أخطأ أحدُنا ونسيَ طَعَاماً خارج الثلاجة نرى أثر أسنانِهِ الصَّغيرةِ عليه, وخزَّانات المطبخ لم تسلمْ من قرضِهِ أيضاً وخاصة خزائن المونة , وفي كل يوم تزداد وتيرة التَّهديدات واللَّعنات ضد الفأر الصغيرة، ويزداد اعجابي بذكائه وتبريري لموقفه فهو لا يصنع شراً بل يبحث عن رزقه كما البشر تماماً وإن اختلفت الطرق والقرض...
في اجتماعنا العائلي الذي أصبح يعقد بشكل يومي للتباحث في شأن التخلص من الفأر ويزداد التشدد والتهديد واللعن، في هذا الاجتماع قررت أن اتحدث فهي المرة الأولى التي اعطي رأياً في قضية الفأر صمت الجميع ليستمعوا إلى فكرتي، قلت: يبدو أن الفأر يسمع ما تقول ويعلم بكل خططكم ويُستفز من تهديدكم ولعنكم وشتائمكم، لما لا نتعامل مع الأمر بشكل مغاير ونحترم ولو قليلاً شعور الفأر.!
ازداد صمت الجميع وتعجبهم لكنهم لم يعترضوا ربما هو اليأس الذي جعلهم يوافقونني فكرتي المجنونة، قلت بحزم: من اليوم سنتعامل مع الفأر بادب واحترام ارجو منكم ازالة حقل الالغام من البيت، ومخاطبة الفأر بشكل أقل حدة ودون لعن أو شتم..
وقد كان لي ما أردت، أخي صاحب الكرش الكبير والذي كان اكثرنا حرصاً على طعامه من أسنان الفأر أصبح يترك بعضاً من طعامه على الارض ويهمس: هي لك أيها الفأر الصغير،، واختي التي كانت تشتم بصوتها الحاد كلما سمعت باسمه أصبحت تتغزل بأسنانه البيضاء وذكائه الحاد وتدعو له بالحفظ من عين الحساد،، وامي التي كانت تدعو له بقطة كبيرة تنهشه أصبحت تدعو له بزوجة صالحة ترعاه..
أسبوع قدِ انتهى على هذه الحال. بعض من المونة قدِاختفت وكثير من الجبن الذي وضع له (دون سم طبعاً) وخبز وقليل من الأخشاب في البيت قرضت لكن الفأر اختفى. يبدو أنه أخَذَ حاجتَهُ التي جاءت به إلينا وََرَحََلَ، أو ربما شَعَرَ بأنَّ الحربَ بيننا قد انتهت, وأنَّ احترامنا له جعل عنادَهُ في البقاء وإغاظتنا يتلاشى.. رَحَلَ الفأر. لم يصنعْ شرّاً وَصَنَعْنا مَعَهُ خيراً.....
أصدقائي لا تلعنوا الفَأر حينَ يأكل قليلاً من خبزكُم فلولا حاجته إلى الطَّعام لما فَعَلَ، بلِ الْعنوا من يسرقُ قوتَكم كلَّ يوم دون حاجتِهِ إليه...