منْ أكونُ يا أطفالُ؟
أنا أبو الحسنِ علاءُ الدِّين عليُّ بن أبي الحزم. وُلِدْتُ بدمشقَ سنة 607هـ، وفيها تلقَّيتُ علوميَ الإبتدائيّة، ثم درستُ الطّبَّ على يدِ مشاهيرِ العُلماء، مثل: الشّيخِ رضيِّ الدّين أبي الحجّاجِ يوسفَ بنِ حيدرةَ الرّحبي، وعمرانِ الإسرائيلي، ومهذّبِ الدّين أبي محمدِ عبد الرّحيم بن علي الدّخوار، الذي كان رئيسَ أطباءِ المستشفى النُّوريّ بدمشق.
مارستُ الطّبَّ في بلدي دمشقَ، وما لبثتْ شُهرتي أن ذاعت وانتشرت فاستدعاني السّلطانُ الكاملُ محمد الأيوبي، ومعي صديقي ابنُ أبي أُصيبعة، إلى القاهرة، وكان عمري، آنذاك، لا يتجاوزُ السّادسةَ والعشرين عاماً.
منجزاتي العلمية
كنتُ واحداً من مشاهيرِ الأطبّاء الذين أسهموا في مسيرةِ الحضارةِ الطبيةِ الإنسانيّة.
*وتتمثّلُ أهمُّ منجزاتي الطّبيّة في اكتشافي الدّورة الدّمويّة الصُّغرى، وقد كنتُ، في هذا الإكتشافِ، أسبقَ من العالمِ الإسباني" سارفينيوس" بثلاثمائةِ سنة، فقد عرفَ هذا العالمُ الدّورةَ الدّمويّةَ عن طريقي، وذلك بعد أن حصلَ على التّرجمةِ اللاتينية لكتابي من الطّبيب الإيطالي"الباغو"، الذي زار دمشقَ وأحضر منها عدَّة مخطوطات، من بينها كتابٌ لي، كما كنتُ أسبقَ في اكتشافِ الدّورةِ الدّمويّةِ أيضاً من العالم الإنجليزي"هارفي" بأربعمائةِ سنة، وقد أثبتَ هذه الحقيقة أحدُ أبناءِ أُمّتنا العربيّة والإسلاميّة، هو الدّكتور محيي الدّين التّطاوي، وهو عالمٌ مصري تمكّن من العثور على مخطوطة من كتبي في مكتبة برلين، فقام بدراستها، ثم قدَّمها في رسالةٍ لنيلِ درجةِ الدكتوراةِ في جامعةِ فرايبورغ بألمانيا سنة 1924م. وقد أيَّدَ هذا العالِمَ المصريَّ، وأيَّدني أيضاً، في هذه القضيّة، اثنان من العلماءِ الغربيين، هما مايرهوف، وبول غليونجي.
*وتحدّثتُ عن وظائفِ الرّئتين، والأوعيةِ التي بين الرّئتين والقلب، ووظائفِ الأوعيةِ الشِّعرية، ووصفتُ الحويصلات الرّئويّة، كما وضَّحتُ وظائفَ الشّرايينِ الاكليليّةِ التي تُغذِّي عضلةَ القلب.
*وأثبتُّ أنَّ الدّمَ يجري إلى الرّئتين، حيث يتجدّدُ ويُشبعُ بالهواء، لا لمدِّها بالغذاء كما يُظن، وقلتُ: إنَّه لا بُدَّ من وجودِ اتِّصال، بين أوردةِ الرّئتين وشرايينهما، يتمِّمُ الدّورةَ الدّمويّةَ ضمن الرّئة.
*وقلتُ، مُخالفاً جالينوس، إنَّه ليس هناك رواسبُ، أو هواءٌ في شرايين الرّئتين، وإنَّ جُدرانَ أوردةِ الرّئتين، أغلظُ كثيراً من جدرانِ شرايينها، وهي تتألّف من طبقتين.
*وقلتُ أيضاً، إنَّه ليس هناك صمّامٌ في جدار القلب الفاصل بين البطين، بل إن الدَّم يجري في العروقِ الموزّعةِ في أنحاءِ القلبِ كلِّه، ويدور فيه دورةً كاملة.
وقد أكَّدتُ أنَّ الحجابَ الحاجزَ، مع عضلاتِ الصَّدر، هو سببُ الشّهيق والزَّفير، وأن الحجابَ غيرُ مثقوبٍ، وليس فيه أيَّةُ مسامَّ ظاهرة.
*وقرّرتُ أنَّ الدَّمَ سائلٌ يدور في جميعِ أنحاءِ الجسم، وليس سائلاً مستقرّاً في الأوردةِ والشّرايين، كما كان يُظن.
*وكنتُ أنصحُ بممارسةِ التّشريح، لأنّه يؤدّي إلى فهمِ وظائفِ الأعضاء، ثمّ إلى البراعة في شفاء المرضى، وقد مارستُ التّشريح بنفسي، وإن كنتُ أُصرّحُ، في بعضِ كتبي، بأنَّني قد حِدْتُ عن مباشرةِ التّشريحِ بوازعٍ من الشّريعة، وما في أخلاقنا من الرَّحمة.
مكانتي العلمية
كنتُ، كما وصفني العلماءُ والمؤرِّخون، نابغةَ عصري في الطِّبِّ، كما وصفوني بالذكاء، وسعةِ المعرفة، وحضور البديهة، والقُدرةِ على الحفظ، فقد كنتُ أحفظُ كتابَ القانونِ لابن سينا عن ظهرِ قلب، ولهذا فقد لُقِّبتُ بابنِ سينا عصري، من حيثُ مركزي العلميُّ، وتمكُّني، في الطِّبِّ، كما كنتُ أحفظُ مؤلفاتِ جالينوس، وأبقراط، وديسقوريدوس.
لقد كنتُ أعرِفُ قدر نفسي، وأعرفُ إمكاناتي العلميّة، وإمكاناتِ غيري أيضاً، ولهذا فقد كنتُ أصدُرُ، في انتقادي لجالينوس وابن سينا، عن ثقةٍ وموضوعيّة، رغم المكانةِ، بل القداسةِ التي كان يحتلُّها هذان العالِمان في عقولِ الأجيالِ المختلفةِ ووجدانهم. وقد دفعتني هذه الثّقةُ إلى القولِ عن كتبي هذه العبارةَ الخالدة:
لو لم أكن واثقاً من أنَّ كتبي ستعيشُ مدَّةَ عشرةِ آلافِ سنة لما كتبتُها!!!
ومن هذا المنطلق، فقد قيل عنّي: لم يوجد على وجه الأرضِ قاطبةً مثيلٌ لي، ومنذُ ابن سينا، لم يوجد أحدٌ في عظمتي. بل إن بعضَ العلماء كان يجعلني فوقَ ابن سينا.
نهايةُ رحلة العمر
ولدتُ، كما ذكرتُ في البداية، في مدينةِ دمشقَ، وفيها نشأتُ وتعلَّمتُ، ثم انتقلتُ منها إلى القاهرة، هذه المدينةِ العظيمة، التي شهدت تفجُّرَ عبقريَّتي ونبوغي الطِّبي، وشهدت أيضاً وصولي إلى قمةِ المجدِ والثَّراء.
وعندما أدركتُ، بحكمِ علمي ورايتي في الطِّبِّ، أن المنيةَ آتيةٌ لا محالة، وقفتُ داري ومكتبتي القيمةَ على المستشفى العضديّ بالقاهرة، وفي يوم الجمعة الحادي والعشرين من ذي القِعدةِ سنة 687هـ، فاضت روحي إلى بارئها عزَّ وجل، ولي من العمرِ ثمانون عاماً، وعلى ثغري ابتسامةٌ عريضة، لأنَّني قدَّمتُ للأجيال من بعدي ثروةً علميَّةً أعتزُّ بها. ومن هذه الكتب والمؤلفات:
*كتاب المهذَّب في الكحل، وهو خاصٌّ في طبِّ العيون.
*كتاب المختار من الأغذية، وهو خاصٌ في علمِ الحِمية
*كتاب شرح فصول أبقراط
*كتاب مسائل حنين ابن اسحق
*كتاب الموجز في الطبِّ، وهو موجز لكتاب القانون لابن سينا
*كتاب شرح قانون ابن سينا، وفيه انتقدتُ أقوالَ ابن سينا، وخصوصاً وصفه العروق الموصلة بين الرئة والقلب، ووظائفها، ووظيفة الرئتين
*كتاب الرسالة الكاملية في السيرة النبوية
*الورقات في المنطق، وغيرها كثير، بعضها مفقود