منْ أكونُ يا أطفالُ؟
أنا أبو القاسمِ خلفُ بنُ عباس ، ولدتُ في مدينةِ الزهراءِ الأندلسية، التي بناها الأُمويون عندما فتحوا الأندلس، وإلى هذه المدينةِ نُسبتُ. نشأتُ مغموراً إلى حدٍّ لم تعِ ذاكرةُ التاريخِ السنةَ التي ولدتُ فيها. ويبدو أنني ولدتُ كما تذكرُ بعض الروايات، سنة 936م تقريباً.
قضيتُ حياتي في وطني الأندلس، وعملتُ في الطبِّ الذي أحببته، وأخلصتُ له، إلى أن أصبحتُ جَّراحاً شهيراً، وعالِماً كبيراً من علماء الطِّب. ولا أدلَّ على ذلك من أنَّني أصبحتُ جراحاً شهيراً، وعالِماً كبيراً من عُلماءِ الطب. ولا أدلَّ على ذلك من أنَّني كنتُ الطبيبَ الخاصَّ للخليفةِ الأمويِّ عبد الرحمن الثالث، المعروفِ بعبدِ الرحمن الناصر، ثم طبيباً لإبنه الحكمِ الثاني المستنصر.
منجزاتي العلمية
إعتبرني المؤرخون، لعلمِ الطبِ، مؤسسَ علمِ الجراحةِ، وعلماً من أعلامها، ليس في العالمين العربي والإسلامي فحسب، وإنَّما في كلِّ أنحاءِ العالم، ويعودُ ذلك إلى أسبابٍ كثيرة، من بينها أنَّني حفظتُ، بعلمي ومؤلفاتي، الجراحةَ في القرون الوسطى، وهي التي كانت أساسَ الجراحةِ الحديثة. كما أنَّني قمتُ بأعمالٍ جراحيةٍ وطبيةٍ وعلاجيةٍ كثيرة أذكر منها:
*أنَّني إستنبطتُ الكثيرَ من الآلاتِ والأدواتِ الجراحية، التي زادَ عددها على مائتين، والتي كنتُ، كما كان غيري أيضاً، أستعملُها في مختلف فروعِ الجراحةِ الداخلية، والنسائية، والعينيةِ، والصَّدرية. ومن بين هذه الآلاتِ، تلك المرآةُ التي أوجدتها لعلاجِ بعضِ الأمراضِ الخاصةِ بقضايا الولادةِ، والقبالة الخاصة بالنساء، وتلك الآلة الجديدة التي إخترعتُها لشفاءِ الناسور الدَّمعي.
*وكنتُ أوَّلَ من أجرى عمليةَ إستئصال الرَّضفة؛ وهي من عظام الركبة، في حالات الخلع والتهشّم، فضلاً عن قضايا الجبر، وعلاج الفكِّ والكسور التي تُصيب العظام وعلاجها.
*وكنتُ أولَ من قامَ بربطِ الشرايينِ لمنعِ النزيف، كما كنتُ أولَ من أشارَ إلى أنَّ بعضَ الأبدان تحملُ إستعداداً للنزف، وهو المسمى"هيموفيليا"، ولاحظتُ أنه ينتقل بالإرث عن طريق الأنثى للذكر.
*ونجحتُ في أولِ عمليةِ شقِّ القصبةِ الهوائية، وقد أجريتُ هذه العملية على خادمة، كما كنتُ أول من خاط الجراحَ خياطةً داخلية، بحيث لا تتركُ أثراً. وأودُّ أن أشيرَ، في هذا المجال، إلى أنَّني كنتُ أولَ من إستعملَ، في جراحةِ الأمعاء، الخيوطَ المصنوعةَ من أمعاءِ القِطط، وأول من إستخدم في الخياطةِ الجراحيةِ، إبرتين وخيطاً واحداً.
*وكنتُ أولَ من عالجَ إلتهابَ المفاصل، وإستطعتُ إستئصالَ الأورامِ الليفيةِ من الأغشيةِ المخاطية، كما بينتُ كيفيةَ إستئصالِ سرطانِ الثدي، مع تفصيلِ الكيِّ على الشق، فضلاً عن إستئصال اللوزات.
*وتجدر الإشارة إلى أنَّني كنتُ أفرقُ بين الأورامِ الخبيثةِ والسليمة، وكنتُ أقول: إن الأورامَ السليمةَ ممكنةُ العلاج، أمَّا الأورامُ الخبيثةُ، فليس لها علاجٌ لا عنده ولا عندَ غيره إذا كانت قديمة، أما الأورامُ الحديثةُ فيمكن إستئصالُها.
مكانتي العلمية
لقد أجمعَ العلماءُ، قدماؤهم ومُحدَثوهم، على أنَّني جراحُ العرب الأكبر، وأحدُ كبارِ الأطباءِ المشهورين، ولم يقرِنوا بي سوي صنويَّ الرازي وابن سينا.
*فقد أثَّرتُ في علماءِ أوروبا وأَطِبَّائها، حيثُ تُرجمت كُتبي إلى لغاتٍ كثيرة، ودُرِّست في العديد من جامعاتِ الغربِ الطبية، وإقتفى أثري الجراحون الأوروبيون، وكانت مؤلفاتي، في الجراحة والطِّب، المرجعَ الذي أستفادَ منه الأطباءُ في أوروبا من أوائلِ القرنِ الخامسَ عشرَ، إلى أواخرِ القرنِ الثامنَ عشرَ. ولهذا، فإنَّني لم أستغرب عندما صنَّفني الفرنسيّون إلى جانبِ جالينوس وأبقراط.
*ووصفني المستشرقون بأنَّني أعظمُ الأطباء في العالم، وذكرني العالمان الغربيَّان: كليمان هوار، وإدوارد بروان، وقال عني العالمُ الغربيُّ فيريس: إنَّني المثلُ الأعلى للعلم، وأطلق عليَّ العالم الغربي" فرند" لقبَ مُحيي الجراحة، وأطلقَ عليَّ غيرهُ من الأجانب لقبَ" أبو الجراحة". كما قال عني العالم الغربي هولز: إنَّني أوَّل من ربط الشرايين.
*وبلغ إحترامُ العلماءِ لي مبلغاً، دفعهم إلى إطلاق إسمي على الكثير من المستشفيات، وأقسامها، وقاعاتِ الجامعاتِ، في كثيرٍ من بلدانِ العالم.
*وسررتُ كثيراً، عندما سمعتُ أنَّ صورتي قد وُضعت إلى جانب صورة ابن سينا والرازي، مرسومة بألوانِ الزُّجاج القديم، في كاتدرائية ميلانو الإيطالية المشهورة. كما عُرضت بعض الآلات، التي كنتُ أستخدمها في عملي الجراحي والطِّبي، في كثير من المتاحف الغربية.
نهايةُ رحلة العمر
لقد عشتُ حياةً طويلة، إمتدت بي ما يقاربُ الثمانين عاماً حيث لقيتُ وجه ربي في سنة 1036م، كما تذكرُ بعضُ الروايات، وذلك بعدَ رحلةِ عمر حافلةٍ بالعلمِ والعمل؛ بالعلمِ الطبيِّ الذي أحببته، وأقبلتُ عليه بكلِّ شغفٍ وشوق، وبالعمل الذي تركته خلفي ماثلاً بالآلاتِ والأدواتِ الطبيةِ والجراحية، التي إبتكرتها لمهنة الطب، وماثلاً أيضاً في تلك الكتبِ والمؤلفاتِ التي كان لها تأثيراٌ واسعٌ على مهنة الطبِّ والأطباء، في كلِّ أنحاء العالم. ومن هذه المؤلفات:
*كتابُ كبير في الطبِّ عُرفَ بإسمي، وقد ذكره ابنُ أبي أُصيبعة في كتابه المشهور: عيون الأنباء في طبقات الأطباء، ووصفه بقوله: إنَّه أفضلُ تصانيفي.
*كتاب تفسير الأكيال والأوزان.
*المقالة في عمل اليد: وهي خاصة في طرقِ الجراحةِ وعملها، وقد عُنيَ بها المستشرقون، وتُرجمت إلى عدةِ لغاتٍ، من بينها اللغةُ اللاتينية.
*كتاب التصريف لمن عجز عن التأليف